الدراجات الكهربائية تدخل حضن التأمين لأول مرة في المغرب

حسين العياشي

في شوارع الدار البيضاء والرباط وطنجة، تتقاطع الحكايات اليومية بين ضجيج السيارات وصفير الدراجات الكهربائية التي صارت جزءاً من المشهد الحضري الجديد. شباب، موظفون، وسياح يتقاسمون الأرصفة والمسارات نفسها، في مشهد يعكس تحوّلاً حقيقياً في عادات التنقل داخل المدن المغربية. غير أن هذا التحول، الذي بدا في بدايته مجرّد موضة عابرة، سرعان ما لفت انتباه شركات التأمين التي رأت فيه أكثر من مجرد نزوة شبابية — رأت فيه ملامح سوق جديدة تتشكل بصمت.

في هذا السياق، أقدمت شركة “AtlantaSanad” على خطوة غير مسبوقة في السوق المغربية، بإطلاق أول تأمين مخصص لمستعملي “الطرّوطينيت” والدراجات الكهربائية. خطوة توحي بأن زمن “التنقلات الناعمة” لم يعد فكرة مستقبلية، بل واقعاً يتحرك بسرعة 25 كيلومتراً في الساعة — السرعة القصوى لهذه المركبات — لكنه في حاجة إلى مظلة قانونية ومالية تحمي مستخدميه من المفاجآت غير السارة.

الشركة لم تتعامل مع الظاهرة بوصفها تحدياً، بل فرصة لإعادة تعريف مفهوم التأمين الحضري. فقد صُمّم العرض الجديد ليتماشى مع فلسفة المدن الذكية والمستدامة، حيث يصبح التنقل الكهربائي خياراً صديقاً للبيئة وسبيلاً لتخفيف الازدحام والتلوث، لا مجرّد وسيلة ترفيه. ومن هذا المنطلق، لم تكتف “AtlantaSanad” بالتأمين الإجباري على المسؤولية المدنية الذي يغطي الأضرار المادية أو الجسدية، التي قد تلحق بالغير في حالة وقوع حادث، بل أضافت تغطيات موسعة تشمل نفقات العلاج والجراحة والإقامة بالمستشفى، مع تعويض مالي مضمون في حال الوفاة أو العجز الدائم.

وبينما يختلف مستخدمو هذه الوسائل بين من يستعملها للتنقل اليومي ومن يتخذها وسيلة للمتعة أو الراحة، حرصت الشركة على أن تقدم عروضاً متعددة المستويات تراعي هذا التنوع. فهناك الصيغة الأساسية التي تقتصر على المسؤولية المدنية، وأخرى أكثر شمولاً تغطي الدفاع والتقاضي وحماية السائق نفسه، بحيث يجد كل زبون الصيغة التي تناسب ميزانيته ونمط استعماله.

لكن خلف هذه التفاصيل التقنية، يختبئ رهان أكبر: إعادة بناء ثقافة الوعي بالمخاطر والمسؤولية في المدن المغربية. فبينما لا تزال المنظومة التشريعية متأخرة عن مواكبة هذا التحول السريع، تحاول AtlantaSanad أن تفتح الباب نحو جيل جديد من منتجات التأمين، لا يكتفي بردّ الفعل بعد وقوع الحادث، بل يستبق الحاجة ويواكب التحول السلوكي والتكنولوجي الذي تعرفه الحياة الحضرية.

هكذا تتحول الطرّوطين من وسيلة عصرية للترفيه إلى مرآة تعكس تغيراً أعمق في المجتمع المغربي: تغير في علاقة المواطن بالمدينة، وبالتكنولوجيا، وبالمسؤولية. وما تقوم به AtlantaSanad اليوم ليس مجرد إطلاق منتوج جديد، بل إعلان عن بداية مرحلة جديدة في علاقة التأمين بالحياة اليومية، حيث تصبح الحماية جزءاً من ثقافة التنقل، لا مجرد إجراء إداري.

في النهاية، ما بدأ كظاهرة شبابية عابرة صار رمزاً لتحول حضري شامل، تتسابق فيه المدن المغربية إلى تبني حلول تنقل أكثر ذكاءً واستدامة. وبينما تمضي العجلات الصغيرة بسرعة وهدوء في شوارع البلاد، تسير معها شركات التأمين على طريق الابتكار ذاته — طريق يَعِدُ بمدن أكثر أماناً، ومواطنين أكثر وعياً، ومستقبلاً حضرياً لا يخلو من المغامرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى