
فاطمة الزهراء ايت ناصر
في ردّه على سؤال النائب نور الدين البيضي عن فريق الأصالة والمعاصرة، كشف وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عز الدين الميداوي، عن خطة “طموحة” – كما وصفها – تروم إعادة تأهيل الأحياء الجامعية وبناء وحدات جديدة، مستندًا على نموذج شراكة جديد بين القطاعين العام والخاص.
غير أن هذا الخطاب، الذي يبدو متفائلًا، يصطدم بواقع جامعي مرّ تعكسه معاناة آلاف الطلبة في البحث سنويًا عن سكن لائق يضمن كرامتهم ويُسهم في تحصيلهم العلمي.
وأوضح الوزير أن المشروع الجديد سيمكن، نظريًا، من بناء 100 ألف سرير سنويًا، رغم أن الأرقام الرسمية تشير إلى أن المغرب لم يحقق سوى 60 ألف سرير طيلة عقود من الاستقلال، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى واقعية هذا الرقم ومدى استعداد البنية القانونية والمالية واللوجيستية لاحتضانه. فهل نمر حقًا من مرحلة التراكم البطيء إلى “قفزة نوعية” في ظرف زمني قصير دون أن تكون هناك مؤشرات ملموسة على الأرض؟
في المقابل، اعترف النائب البرلماني بحجم المجهودات المبذولة، خاصة ما يتعلق برفع الطاقة الاستيعابية بنسبة 18% خلال موسمين فقط، منتقلة من 50.400 سرير إلى 59.400، مع أفق بلوغ 60.118 سريرًا سنة 2025. لكن، وبنظرة نقدية، يتضح أن هذه الزيادة، رغم أهميتها، تظل محدودة جدًا أمام الأعداد الهائلة للطلبة الجدد الذين تلتحق أفواجهم سنويًا بالجامعة.
وهنا يكمن التناقض الأكبر بين الخطاب والممارسة: فبينما تتحدث الوزارة عن “ابتكار” و”مواكبة”، يعيش آلاف الطلبة، خصوصًا في المدن الجامعية الكبرى، تحت رحمة السكن العشوائي أو الإيجارات المرتفعة في القطاع الخاص، مما يفاقم الهشاشة الاجتماعية ويغذي الهدر الجامعي، الذي اعترف الجميع بأنه في تصاعد مقلق.
الوزير تحدث عن مراجعة القانون المؤطر للمكتب الوطني للأعمال الجامعية وتحويله إلى “المكتب الوطني للحياة الطلابية”، مع توسيع اختصاصاته وإنشاء مديريات جهوية. خطوة يُفترض أن تعزز القرب من الطالب، لكنها تبقى منقوصة إن لم تواكبها موارد مالية وبشرية كافية، وإرادة حقيقية لإصلاح جذري بدل ترميمات شكلية.
أما الرهان على الشراكات مع الجماعات الترابية والقطاع الخاص، فرغم ما قد توفره من إمكانيات مالية، يظل محفوفًا بمخاطر حقيقية تتعلق بتجاري السكن الجامعي ورفع كلفته، مما قد يفرغ “الدعم الاجتماعي” من محتواه ويزيد من الفجوة بين الطلبة الميسورين ونظرائهم القادمين من هوامش الوطن.
في المحصلة، لا أحد يُنكر أن الوزارة تحاول، لكن السؤال الجوهري يظل قائمًا: هل نحن أمام إرادة فعلية لمواجهة أزمة السكن الجامعي أم مجرد تجميل للواقع القائم بخطابات “ابتكارية” لا تترجم فعليًا على الأرض؟ الواقع اليومي للطلبة، خصوصًا في المدن الكبرى، ما زال يصرخ بما لا تقوله الأرقام: أزمة السكن الجامعي ليست مجرد خلل في البنية، بل خلل في السياسات.
إصلاح السكن الجامعي ليس فقط ورشًا إنشائيًا، بل رهانا استراتيجيًا لحماية الحق في التعليم الجامعي وتحقيق تكافؤ الفرص بين مختلف الفئات المجتمعية. والطريق نحو تحقيق هذا الهدف لا يمر فقط عبر الأرقام والنوايا الحسنة، بل يتطلب رؤية متكاملة، وشفافية في الإنجاز، واستماعًا حقيقيًا لصوت الطلبة ومعاناتهم اليومية داخل وخارج أسوار الجامعة.





