السيادة الغذائية على المحك: تقرير يكشف هشاشة اكتفاء المغرب من اللحوم

حسين العياشي
يعيد تقرير للمعهد المغربي لتحليل السياسات حول السيادة الغذائية، صدر في 21 أكتوبر، طرح سؤال قديم بصيغة أكثر إلحاحاً: هل يملك المغرب فعلاً اكتفاءه الذاتي في قطاع اللحوم، أم أن الأرقام اللامعة تخفي هشاشة عميقة؟ يذهب التقرير إلى أن صورة الفوائض في الإنتاج لا تصمد أمام اختبار سلاسل التوريد العالمية، إذ تقوم بنية القطاع على اعتماد واسع على واردات الحبوب وأعلاف الحيوانات، ما يجعل السوق الوطنية رهينة تقلبات الأسعار في الخارج.
ورغم وفرة المعروض من اللحوم الحمراء والبيضاء، يؤكد التقرير أن المغرب يظل خاضعاً لتذبذب الأسعار الدولية. ويشير بوضوح إلى أن البلاد فقدت اكتفاءها الذاتي من اللحوم الحمراء ومشتقات الألبان، بما يعمّق مستوى التبعية الغذائية. ويشرح أن جزءاً معتبراً من الحبوب المستوردة يُوجَّه إلى تصنيع الأعلاف المركبة للدواجن، بينما تُفاقم الحاجة إلى الشعير المستورد الأعباء على تربية المجترات، فتتسع الحلقة المفرغة بين الاستهلاك المحلي والأسواق العالمية.
وتبرز هذه الهشاشة عبر مؤشرات صادمة. فقد تم تعليق ذبح بهائم عيد الأضحى في عام 2025، في خطوة غير مسبوقة تعكس التوتر الذي يضغط على سلسلة قيمة الأغنام والماعز وكل ما يتصل بها من حلقات إنتاج وتسويق. بالنسبة للتقرير، لم يكن ذلك حادثاً معزولاً بقدر ما كان إنذاراً مكشوفاً عن اختلالات تراكمت على مدى سنوات من سوء مواءمة بين السياسة الإنتاجية ومتطلبات الأمن الغذائي.
وعلى هذا الأساس، يدعو المعهد إلى إعادة توجيه البوصلة نحو دعم المجترات من أبقار وأغنام وماعز، بوصفها الأكثر قدرة على تثمين الموارد العلفية المحلية من مراعي وبقايا محاصيل، والأقل ارتهاناً للحبوب القادمة من الخارج. أما توسيع إنتاج لحوم الدواجن، فرغم جاذبيته الرقمية، فهو مرتهن لأعلاف تُستورد بملايين الأطنان من بلدان كالأرجنتين والبرازيل والولايات المتحدة، بما يعيد إنتاج نقطة الضعف ذاتها ويترك السوق تحت رحمة موجات الأسعار العالمية.
يخلص التقرير إلى أن استعادة هامش السيادة الغذائية تمر عبر تصحيح قواعد اللعبة: بناء منظومة إنتاج ترتكز على موارد محلية أكثر، وتقليل انكشاف سلاسل القيمة الوطنية لصدمات الخارج، وتوجيه الدعم حيث يحقق أكبر قدر من المناعة الغذائية بأقل كلفة من التبعية. بهذه المقاربة فقط يمكن للأرقام أن تعكس واقعاً صلباً، لا واجهة لامعة تخفي هشاشة مكلفة.





