
اميمة المغاري : صحافية متدربة
رغم ما تبذله الدولة من مجهودات في مجال إصلاح السياسة الدوائية، لا يزال المواطن المغربي يرزح تحت وطأة أسعار الأدوية المرتفعة، في ظل هشاشة اجتماعية واقتصادية تزداد تفاقما.
ورغم الوعود المتكررة بإصلاح قطاع الصحة وتحقيق العدالة الدوائية، فإن الواقع يكشف عن فجوة واضحة بين الخطاب والممارسة.
على مدى السنوات الماضية، أعلنت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية عن مراجعات دورية لأسعار الأدوية.كما أعلنت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية عن تنظّيم شروط تسويق الأدوية الجنيسة، وتشجّيع على تداولها بالصيدليات، في إطار سياسة تهدف إلى تقليص الاعتماد على الأدوية الأصلية ذات التكلفة المرتفعة، ودعم الصناعة الوطنية للأدوية.
كما كشف فوزي القجع الوزير المنتدب المكلف بالميزانية عن مفارقة صارخة: ان أسعار الأدوية نفسها في المغرب تفوق أحيانًا مثيلاتها من أربعة الى ثلاثة اضعاف مقارنة بالعالم
وقد اعتبر هذا التوجه خطوة في الاتجاه الصحيح من حيث تخفيف العبء المالي على المرضى وتعزيز الولوج إلى العلاج، لا سيما في صفوف الفئات ذات الدخل المحدود
غير أن هذه الإجراءات، وإن كانت مرحبا بها من حيث المبدأ، تبقى غير كافية أمام حجم الإشكاليات المتراكمة.
بين الحق في الصحة ومنطق السوق: أين المواطن؟
و تعاني السياسة الدوائية في المغرب من اختلالات بنيوية، أبرزها تحكم عدد محدود من الشركات الكبرى في سوق الأدوية، ما يؤدي إلى شبه احتكار ينعكس مباشرة على الأسعار.
ورغم تخفيضات أعلنتها وزارة الصحة وشملت آلاف الأدوية، إلا أن المواطن لم يلمس أثرا حقيقيا في نفقاته اليومية على العلاج، إذ غالبا ما تشمل التخفيضات أدوية غير متداولة بكثرة أو لا تُوصف بانتظام.
في المقابل، تظل الأدوية الأساسية، لا سيما الخاصة بالأمراض المزمنة كالسكري وارتفاع الضغط، خارج نطاق التخفيض، ما يجعل الأسر الفقيرة والمتوسطة تواجه عبئا مضاعفا،
كشفت اكرام الحناوي في تصريح لاعلام تيفي انه ” ما زال المواطن اليوم هو الذي يتحمل التكاليف الإضافية، حيث أن المواطن من المفترض أنه يتوفر على تغطية صحية. وهكذا يمكن أن يؤدي أكثر من 56 % من تكلفة العلاج، ان هذا الواقع يفرض، مراجعة جذرية للسياسة الدوائية، تقوم على الشفافية في التسعير و تأخذ بعين الاعتبار القدرة الشرائية للمواطن المغربي ، ومحاربة الاحتكار، وتشجيع استخام الأدوية الجنيسة،
تقول اكرام الحناوي ، نائبة برلمانية ان انحسار الولوج إلى الدواء الجنيس، من أحد أهم التحديات، حيث لا تتجاوز نسبته 30 % و40 % في أحسن الأحوال نتيجة تحكم لوبيات الصناعة الدوائية؛ للسوق المغربية، وهذا ما ينعكس على القدرة الشرائية للمواطن.
التغطية الصحية في المغرب.. وعود بلا فاعلية
رغم إدماج نظام التغطية الصحية لفئات أوسع من المواطنين، وتعميمه نظريا ليشمل العاملين في القطاع غير المهيكل، والفئات المعوزة المستفيدة سابقًا من نظام “راميد”، فإن تأثير هذه الإصلاحات لم ينعكس بشكل ملموس على أرض الواقع.
فقد كان يُرتقب أن يؤدي تعميم التغطية الصحية إلى تحسين القدرة على الولوج إلى العلاج والدواء، غير أن ذلك لم يتحقق بالوتيرة المطلوبة، بل ظهرت مجموعة من العراقيل العملية والإدارية التي حدّت من فاعلية هذا الورش الطموح.
فتكلفة العلاج ما زالت تثقل كاهل الأسر، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالأمراض المزمنة أو الحالات الاستشفائية التي تتطلب فحوصات وتحاليل دورية وأدوية باهظة الثمن.
ومصاريف الدواء، على وجه الخصوص، تمثل الجزء الأكبر من هذه التكلفة، إذ غالبًا ما يُفاجَأ المواطن بأن الأدوية الموصوفة غير مشمولة في لائحة التعويض، أو أنها مشمولة بنسبة زهيدة لا تغطي إلا جزءًا يسيرًا من السعر.
وأضافت السيدة النائبة في هدا الصدد انه “من الإشكاليات التي يجب معالجتها كذلك، هي مراجعة التعريفة المرجعية الوطنية للعلاجات والتدخلات الطبية. وهذا كله في إطار منظومة متكاملة للعلاج.
و اكدت أن هناك تراجع على مستوى سلة العلاجات، هناك اليوم بعض الأدوية وبعض الفحوصات والكشوفات مثلا، لا تدخل ضمن هذه السلة بالرغم من أنها مكلفة.
كما أن العديد من المواطنين يواجهون صعوبات تقنية في الاستفادة من التعويضات: إما لجهلهم بالإجراءات، أو لبطء المساطر الإدارية، أو لضعف التواصل بين الجهات الوصية وصناديق التأمين.
في الضفة الاخرى، تبقى فئة كبيرة من المغاربة خارج نطاق الاستفادة الفعلية، رغم تسجيلهم في المنظومة، بسبب ضعف البنية التحتية الصحية في مناطقهم أو عدم توفر الأدوية الضرورية بالمراكز الصحية العمومية، ما يدفعهم مجبرين إلى اللجوء للقطاع الخاص وتحمل تكاليف إضافية.
وبذلك، تُبين التغطية الصحية، كما هي مطبقة اليوم، اختلالًا في منطق الإنصاف والعدالة، حيث يستمر الدواء، رغم التغطية، في كونه عبئًا ماليًا ثقيلًا بدل أن يكون حقًا مضمونًا لكل المواطنين.
الدواء في المغرب: عدالة مؤجلة وحلول ترقيعية
ما زالت العدالة الدوائية في المغرب حلمًا مؤجلاً، تُطارده التصريحات الرسمية والخطط الإصلاحية من بعيد، دون أن تلامس واقعه الحقيقي.
فرغم كل الحديث عن تخفيض الأسعار وتعزيز التغطية الصحية وتوسيع نطاق استعمال الأدوية الجنيسة، يبقى المواطن البسيط هو الحلقة الأضعف في معادلة معقّدة، تتحكم فيها اعتبارات السوق ومصالح الشركات أكثر مما تحكمها مبادئ الحق في العلاج والمساواة في الوصول إلى الدواء.
عندما تتحول زيارة الصيدلية إلى عبئًا ثقيلًا تستنزف ما تبقى من ميزانية الأسرة، وعندما يُجبر مريض على تأجيل اقتناء دوائه أو تقسيطه، فإننا لا نتحدث عن نظام صحي عادل، بل عن خلل بنيوي ينال من الكرامة الصحية للمواطن.
المطلوب اليوم ليس مجرّد ترقيع جزئي أو تصريحات مناسباتية، بل رؤية وطنية شاملة تعيد بناء ثقة المواطن في منظومته الصحية، وتُعيد تمركز سياسات الدواء حول الإنسان لا حول الأرقام.





