الصفقات التفاوضية.. هل يفتح رئيس الحكومة باب “المحسوبية” تحت غطاء الاستعجال؟

حسين العياشي

في خطوة مثيرة للجدل، وضع رئيس الحكومة عزيز أخنوش مبلغاً ضخماً يصل إلى 330 مليار سنتيم، بين يدي وزير الصحة أمين التهراوي، لتنفيذ صفقات تفاوضية، وهو القرار الذي أثار موجة من الانتقادات والمخاوف حول غياب الشفافية وفتح الباب أمام إمكانية تفويت هذه الصفقات إلى الشركات المقربة أو “المحظوظة” بعيداً عن أي رقابة منافسة.

وإن كانت الحكومة تعتبر هذه الإجراءات الاستثنائية ضرورية لتسريع الإصلاحات في القطاع الصحي، إلا أن الواقع يعيدنا أمام  تجربة سابقة مع صفقات تحلية المياه، والتي شهدت جدلاً واسعاً بسبب قلة الشفافية في بعض جوانبها، رغم أنها تمت في إطار المنافسة. فما بالك بصفقات تفاوضية يتم إبرامها بحرية دون رقابة حقيقية على المنافسة؟

هذا الأمر يثير مخاوف كبيرة من أن يصبح التلاعب بالمال العام أمراً مألوفاً، وأن يؤدي إلى تعزيز ممارسات المحسوبية، بما يهدد فعلاً بتحويل الإصلاحات الصحية إلى مجرد غطاء لتوزيع الأموال على الشركات المقربة والفئات الديقة.

الحكومة، عبر تصريحات وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح، تبرر هذا القرار بالإشارة إلى الحاجة الماسة لتحديث وتطوير البنية التحتية الصحية في المملكة. حيث أعلنت عن خطة لتأهيل 90 مستشفى في مختلف جهات البلاد، بتكلفة تصل إلى 3.3 مليارات درهم. وبالرغم من أن هذه المشاريع قد تكون ضرورية بالنظر إلى التحديات الكبيرة التي يواجهها القطاع الصحي، إلا أن تسريع الإجراءات باستخدام الصفقات التفاوضية يثير تساؤلات مشروعة حول مدى نزاهة العملية ومدى تطبيق معايير المنافسة الحرة والشفافية.

النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، مصطفى ابراهيمي، لم يتأخر في توجيه انتقادات شديدة لهذا القرار. فقد اعتبر أن اللجوء إلى الصفقات التفاوضية يشكل “ضرباً لمبادئ الشفافية والمنافسة الحرة”، مشيراً إلى أن هذا الإجراء، الذي كان من المفترض أن يكون استثنائياً، أصبح قاعدة عامة تتيح للحكومة تجاوز القوانين والأنظمة التي كانت تهدف إلى ضمان العدالة في توزيع الصفقات العمومية. كما حذر ابراهيمي من أن هذا التوجه يعكس واقعاً غير سليم في وزارة الصحة، ويؤكد على خطر احتكار بعض الشركات للصفقات الكبرى، خاصة في ظل إلغاء صفقة رقمنة الملف الطبي الإلكتروني بقيمة 180 مليون درهم، وإيقاف شركتين كانت تديرانهما.

الانتقادات التي أُثيرت تُظهر أن الحكومة قد تكون بصدد خلق بيئة خصبة للمحسوبية، في وقت كان يجب فيه أن تكون الأولوية لتقوية المساطر القانونية، وتكريس الشفافية والمنافسة العادلة في إبرام الصفقات. فإن لم يتم اتخاذ تدابير صارمة للحفاظ على نزاهة العمليات المالية والإدارية، فإن هذه الإصلاحات قد تتحول إلى مجرد غطاء لتوزيع الأموال على الشركات المقربة، مما يهدد بزيادة الشكوك في قدرة الحكومة على تحقيق إصلاح حقيقي في القطاع الصحي.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستمضي الحكومة قدماً في هذه الإصلاحات بما يضمن الشفافية والمساواة، أم أن المال العام سيستمر في الدوران بين دوائر ضيقة، دون أن تنعكس فوائده على تحسين الخدمات الصحية التي يعاني منها المواطنون؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى