الطالبي العلمي: أشرف بلمودن… كُون هَاني

الطالبي العلمي: أشرف بلمودن… كُون هَاني
إعلام تيفي _ الرباط
خرج رشيد الطالبي العلمي.
لا إلى الشارع، ولا إلى البرلمان، بل إلى منصة “مؤسسة الفقيه التطواني”.
خرج لا ليشرح فضيحة دعم الأغنام، ولا ليرد على تساؤلات المواطنين، بل فقط ليطمئن الصحافي أشرف بلمودن الذي كتب ما لم يعجبه، بعبارة تصلح شعاراً للمرحلة: “قُولوا كُون هَاني”.
العبارة لم تكن زلة لسان، بل موقفاً سياسياً صريحاً.
لم تكن تعليقاً عرضياً، بل مؤشراً على ما آلت إليه العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
لقد بدت كما لو أنها إعلان سياسي عن نهاية الدور الرقابي للمؤسسة البرلمانية، ودخولها مرحلة “التفسير بالنيابة عن الحكومة”.
فأمام معطيات خطيرة، صرّح بها نزار بركة، وزير التجهيز والماء، وأمين عام حزب الاستقلال، بشأن استيراد الأغنام والدعم العمومي، لم يتحرك البرلمان.
بل تحرّك رئيسه ليُفنّد، ويُوضّح، ويطمئن، ويخفض من سقف الأرقام، ويبرر الأسعار، ثم يوجه الكلام إلى الصحافي أشرف بلمودن قائلاً: “قُولوا كُون هَاني”.
نزار بركة، بكل وضوح، قالها على القناة الأولى: “استوردنا الأغنام، وقدمنا دعماً مالياً بـ500 درهم للرأس، ومع ذلك تم بيع الأضاحي بأضعاف الثمن… وهذا غير أخلاقي.”
تصريح لا يحتاج إلى اجتهاد تأويلي. لا يمكن تغليفه ولا تجميله.
تصريح من داخل الحكومة، يصف واقعاً مريراً:
دعمٌ عمومي ابتلعته شبكات المضاربين،
خروف بـ2000 درهم يُباع بـ4500 درهم،
و18 مضارباً يتحكمون في سوق اللحوم الوطني…
قالها أيضاً وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، دون مواربة.
لكن بدل أن نرى البرلمان يُفعّل أدواته الرقابية، أو رئيسه يدعو لجلسة مساءلة، خرج رشيد الطالبي العلمي في مهمة أخرى تماماً: مهمة سياسية – حزبية – تفسيرية – دفاعية.
قال: “المبلغ الحقيقي لا يتعدى 300 مليون درهم”،
وقال إن نزار بركة “تحدث بصفته الحزبية لا الحكومية”،
وقال إن “سعر 4500 درهم كان متوقعاً ومقصوداً”،
وقال أيضاً أن هناك 100 مضارباً وليس 18 مضارباً،
الطالبي العلمي لم يكن يُدلي برأي تقني، بل كان يتحدث بصفته أحد الحرس السياسي القديم لحزب التجمع الوطني للأحرار، الحزب الذي يقود الحكومة ويرأسه عزيز أخنوش.
ولهذا، فإن تفسيره لتصريحات الوزير، وتبريره للأثمان، وتطميناته المتكررة، لم تأتِ من موقع الحياد، بل من موقع الاصطفاف السياسي.
وهنا تبدأ الرواية السياسية السريالية:
رئيس مؤسسة يُفترض أنها تمثل سلطة رقابية، يُكذّب وزيراً في الحكومة.
لا يقف عند ذلك، بل يُهاجم صحافياً نقل معطيات تؤكد ما قاله الوزير نفسه.
يُقدّم أرقاماً بديلة، ورواية مضادة، ويطلب من الجميع أن يطمئنوا… لأن الحزب رتّب كل شيء.
هذا ليس موقفاً عارضاً ولا تعثّراً طارئاً.
بل نموذج صارخ لتحوّل رئيس البرلمان إلى مدافع سياسي داخل مشهد تُدبّر فيه الأدوار من نفس الغرفة.
ولهذا، حين يتكلم عن الأضاحي أو ترميم البرلمان، فهو لا يشرح باسم المؤسسة، بل ينوب عن ماكينة سياسية، ويُجسد ثقافة سياسية عنوانها: التبرير بدل المساءلة.
لم يكن غريباً أن يبرر صفقة ترميم البرلمان، التي بلغت 1.67 مليار سنتيم، ويصفها بأنها ضرورة لأن “الحجارة تتساقط من الواجهة”.
ولا كان مفاجئاً أن الصفقة أُسندت لشركة واحدة، دون منافسة، وأشياء أخرى..
بل خاطب الصحافي الذي كتب عن الصفقة – أشرف بلمودن – قائلاً:
“هاداك لي كتب… قولوا كون هاني، الطالبي كاع ما كيحضرش ففتح الأظرفة گاع فمرّة..”
هكذا، بكل سخرية، وكأن التأشير لا يُلزم، والمصادقة لا تعني المسؤولية.
هذا هو السياق السياسي الذي نعيشه:
دعم يضيع، صفقة تمر، وزير يعترف، رئيس البرلمان يحاول طمس الحقائق، وصحافي يُطلب منه أن يكون هانياً.
“كُون هَاني” ليست تعبيراً لغوياً عفويّاً.
بل منهج سياسي جديد في إدارة الأزمات، حيث يُقابل السؤال بالطمأنة، والتحقيق بالتشكيك، والكشف بالتعويم، والصحافة بـ”التهدئة المدفوعة”.
لكن المواطن لا “يكون هانياً” حين تُهدرُ ميزانيته،
ولا “يطمئن” حين يتحوّل البرلمان إلى امتداد لغرفة التحكم الحكومي،
ولا “يصمت” حين يُستدعى رئيس السلطة التشريعية ليفسر… لا ليسْأل.
وإذا كان رشيد الطالبي العلمي قد اختار أن يُدافع عن الحكومة بدل أن يُسائلها، وعن حزبه بدل أن يُمثل الأمة، وعن رئيسه بدل أن يُحصّن المؤسسة، فإن ذلك لا يُلزم الرأي العام بأن يكون “هانيّاً”.
بل يُلزمنا بطرح السؤال بصوت أعلى:
ما الذي بقي من البرلمان، إذا كان رئيسه يُبرّر ما قاله وزير، ويرد على صحافي، ويتحدث بلسان الحكومة؟
وفي انتظار الجواب، نقول لمن يطلب من الصحافة “الهدوء السياسي”:
لسنا هانيّين، ولسنا نائمين، ولسنا خارج الزمن.
التقشف على الشعب.. وملياران للفخامة والرفاهية بتوقيع رئيس البرلمان