الطرد التعسفي من الجزائر..شهادات مؤلمة لضحايا المأساة

فاطمة الزهراء ايت ناصر صحافية متدربة 

بعد مرور ما يقارب الشهر على ذكرى العملية المأساوية للطرد الجماعي التعسفي للمغاربة من الجزائر، التي تصادف 8 ديسمبر من كل عام، تعود إلى الأذهان تفاصيل هذا الحدث الأليم الذي هزّ آلاف الأسر المغربية في عام 1975.

وجاء الإعلان عن قرار الطرد يوم 8 ديسمبر على لسان الرئيس الجزائري آنذاك، الهواري بومدين، كرد فعل مباشر على تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء في نوفمبر من نفس السنة، والتي كانت تهدف إلى استرجاع الأقاليم الجنوبية.

وردّت السلطات الجزائرية على تلك الخطوة بما أطلقت عليه “المسيرة السوداء”، حيث صدر قرار تعسفي يقضي بطرد جميع المغاربة المقيمين على الأراضي الجزائرية، مما تسبب في معاناة إنسانية كبيرة وتشريد آلاف العائلات التي كانت تعيش في الجزائر منذ سنوات طويلة. هذا الطرد الجماعي ترك أثرًا عميقًا في الذاكرة الجماعية للمغاربة، وما زالت ذكرياته تثير الألم والتساؤلات حول الظروف الصعبة التي واجهها المتضررون.

ميلود شاوش: الطفولة في قلب المأساة

ميلود شاوش، رئيس جمعية المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر، كان طفلًا في الثامنة من عمره عندما وقع هذا الحدث. يتذكر ميلود أنه كان عائدًا من المدرسة صباحًا، حاملاً حقيبته، ليجد عائلته، والدته وأخواته، برفقة رجال الأمن الجزائري في سيارة شرطة أمام منزلهم. تم اقتياد العائلة على الفور، ومن حسن الحظ أنهم كانوا مجتمعين، على عكس عائلات أخرى تم فصلها بشكل مأساوي.

يروي ميلود خلال إستضافته في برنامج “منتدى إعلام تيفي”  عن أطفال عادوا إلى منازلهم ولم يجدوا أهاليهم، وآخرين تم اعتقالهم من المدارس واقتيادهم إلى مخافر الشرطة قبل إرسالهم إلى الحدود، مما تسبب في فقدان العديد منهم.

وحسب شاوش تم احتجاز العائلة في مخافر الشرطة لمدة يومين دون طعام أو غطاء، وسط أجواء شديدة البرودة، قبل أن يتم نقلهم في حافلات إلى الحدود المغربية-الجزائرية تحت حراسة مشددة. عاش ميلود وعائلته تجربة شبيهة بعمليات التهجير القسري، حيث تم اقتيادهم مع غيرهم في حافلات وشاحنات دون معرفة المصير. وعند الحدود، تعرضوا للتفتيش القسري وسُلبت منهم جميع ممتلكاتهم تحت التهديد، بما في ذلك الأموال والحُليّ.

مصطفى باعيسى: نضال عائلة في الجزائر

من جانبه، قدم مصطفى باعيسى، المنسق الوطني للجمعية، شهادة مؤثرة عن رحلة عائلته في الجزائر، بدءًا من انخراط والده في جيش التحرير الوطني الجزائري عام 1956 وحتى العودة إلى المغرب بعد سنوات من التحديات.

وقال باعيسى خلال حلوله ضيفا في برنامج  “منتدى إعلام تيفي” أن القصة بدأت عندما قرر والده، المقيم في وجدة، تلبية نداء الملك محمد الخامس، الذي أعلن أن استقلال المغرب لا يكتمل دون استقلال الجزائر. انخرط والده في جيش التحرير الوطني الجزائري كضابط في الفيلق رقم 22 بغرب الجزائر. هناك، أقام علاقات وطيدة مع ضباط جزائريين بارزين، مثل العقيد عثمان.

بناءً على دعوة العقيد عثمان، انتقلت عائلة مصطفى إلى مدينة وهران الجزائرية، حيث استقرت في حي سكني عسكري. ورغم التحديات، تأقلمت العائلة مع الوضع الجديد. ولكن حرب الرمال بين المغرب والجزائر عام 1963 كانت أولى المحطات الصعبة، حيث بدأ التوتر يسيطر على حياة العائلة، حسب باعيسي.

وأضاف، عندما وقع الطرد الجماعي عام 1975، لم تكن عائلة باعيسى بمنأى عن المأساة. تعرّضوا، كغيرهم من المغاربة، للتشريد وفقدان الممتلكات. يشير مصطفى إلى أن المغاربة في الجزائر كانوا يعيشون حياة ميسورة، يمتلكون المنازل والأموال، إلا أن كل ذلك تم نهبه وسلبه خلال عمليات الطرد القسرية.

اليوم، يُعتبر ميلود شاوش ومصطفى باعيسى من الأصوات البارزة التي تسعى لإبقاء ذكرى هذه المأساة حية، وللدفاع عن حقوق الضحايا الذين ما زالوا يعانون من آثار هذا الحدث الأليم. يجسدون بصوتهم معاناة آلاف العائلات التي عاشت تجربة الطرد والتشريد، داعين إلى تحقيق العدالة واسترجاع الحقوق.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى