
جمال بلــة
نظمت جمعية القاضي عياض للتضامن والتنمية المستدامة اليوم الإثنين1 دجنبر 2025، بالكلية المتعددة التخصصات بتازة ندوة علمية تحت عنوان ” العقوبات البديلة ” من تأطير الاستاذ بوشتة العلمي رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية بجرسيف حول القانون رقم 43.22. حيث تشكل العقوبات البديلة في المغرب خطوة إصلاحية رئيسية تهدف إلى استبدال عقوبات الحبس القصيرة ببدائل أكثر إنسانية، مما يساعد في تخفيف الاكتظاظ السجني وتعزيز إعادة إدماج المحكوم عليهم في المجتمع.
بوشتى العلمي في مداخلته شرح من خلاله مداخلته أن القانون 43.22 أدخل تحولاً مهماً في السياسة الجنائية بالمغرب، من خلال اعتماد العقوبات البديلة كآلية لتخفيف الاكتظاظ السجني وتحقيق إعادة إدماج أفضل للمحكوم عليهم، مع الحفاظ على الردع في الجرائم الخطيرة، حيث يشكل اعتماد العقوبات البديلة خطوة إصلاحية مركزية في المنظومة الجنائية، لأنها تستهدف أساساً استبدال العقوبات الحبسية القصيرة بتدابير أكثر إنسانية ومرونة، تقلل من الآثار الاجتماعية والنفسية للسجن، خاصة في الجنح البسيطة.
مؤكدا على أن صدور القانون رقم 43.22 في صيف 2024، جاء منسجماً مع التوجه الرسمي نحو تقليص الاكتظاظ وتحسين شروط إعادة الإدماج، دون التخلي عن وظيفة الزجر والردع في السياسة الجنائية، مع العما على حصر تطبيق القانون العقوبات البديلة في الجنح التي لا تتجاوز عقوبتها خمس سنوات حبسا نافذاً، مع اشتراط جملة من الضمانات مثل: عدم العود، وإمكانية وجود صلح أو تعويض للضحية في بعض الحالات، مما يجعل الاستفادة موجهة أساساً للجنح غير الخطيرة.
وأوضح المتحدث أن القانون 43.22 ينص على أربع عقوبات بديلة هي:
• العمل لأجل المنفعة العامة.
• المراقبة الإلكترونية بواسطة السوار.
• العقوبات المقيدة لبعض الحقوق أو المصحوبة بتدابير علاجية/تأهيلية.
• الغرامة اليومية التي تُحتسب بحسب القدرة المالية وخطورة الفعل.
وتابع الأستاذ بوشتة العلمي أن العمل لأجل المنفعة العامة يُعدّ أبرز صور العقوبات البديلة، حيث يُلزم المحكوم عليه بأداء عدد من الساعات يتراوح بين 40 و3600 ساعة لفائدة مرافق عمومية أو جمعيات ذات نفع عام، مع اعتماد قاعدة تحويل عدد محدد من الساعات عن كل يوم حبس مستبدَل.
وأبرز المسطرة تُضبط في ثلاث مراحل: الحكم بالعقوبة البديلة من طرف المحكمة، ثم إحالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات، ثم تنفيذ العمل تحت إشراف الجهة المستقبِلة التي تلتزم بمسك سجل للساعات المنجزة، وتوجيه تقارير دورية حول الانضباط والتقيد بالبرنامج الزمني، بعد صيرورة الحكم نهائياً، يصدر قاضي تطبيق العقوبات مقررًا تفصيلياً يحدد نوع العمل، مكان التنفيذ، وتوزيع الساعات على أيام وأسابيع، مع احترام آجال غالباً لا تتجاوز ستة أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة لمدة مماثلة لأسباب مبررة.
في هذا السياق، أشار المتحدث إلى أن القاضي يمارس مهمة التتبع والمراقبة من خلال الزيارات والتقارير، وله صلاحية تعديل البرنامج أو وقفه أو استبداله بعقوبة أخرى، وفي حال الإخلال الجسيم (غياب متكرر، رفض العمل، إخلال بالنظام) يمكن الرجوع إلى تنفيذ العقوبة الحبسية الأصلية مع احتساب الساعات المنجزة، ويُنفَّذ العمل للمنفعة العامة داخل مؤسسات أو مرافق عمومية أو جمعيات ذات نفع عام محددة تنظيمياً، مثل الجماعات الترابية، المؤسسات الاجتماعية، المرافق الصحية أو التربوية، مع منع أي شكل من أشكال الاستغلال أو المساس بالكرامة.
وأضاف ذ. بوشتة العلمي أن المراقبة الإلكترونية تُستخدم لتقييد حركة المحكوم عليه في نطاق مكاني وزمني محدد مع السماح له بمزاولة حياته المهنية والأسرية تحت الرقابة، مما يجعلها أقل كلفة اجتماعية من السجن وأكثر مرونة في المراقبة، أما العقوبات المقيدة للحقوق والتدابير العلاجية والتأهيلية، فتشمل الإقامة الجبرية، حظر ارتياد أماكن معينة، أو الخضوع لعلاج نفسي أو تأهيل مهني، بينما تُحسب الغرامة اليومية بين حد أدنى وأقصى يراعي قدرة المحكوم عليه والتبعات المادية للجريمة.
وفي معرض مداخلته تطرق ذ. بوشتة العلمي إلى نقطة أن المشرّع استبعد من مجال العقوبات البديلة طائفة واسعة من الجرائم ذات الخطورة العالية، مثل الجرائم الماسة بأمن الدولة، الإرهاب، الفساد المالي والرشوة واختلاس المال العام، الاتجار الدولي بالمخدرات، والجرائم الجنسية الخطيرة خاصة ضد القاصرين والأشخاص في وضعية هشاشة، كما لا تُطبَّق هذه الآليات على العقوبات الموقوفة التنفيذ أو على الجنايات التي تتجاوز عقوبتها خمس سنوات، ولا على الأشخاص ذوي السوابق المتعددة، وهو ما يعزز الطابع الردعي في الجرائم الجسيمة، لكنه في المقابل يحدّ من الأثر الكمي للقانون على الاكتظاظ السجني.
الندوة التي ترأستها ذ. نعيمة لمرابط الرئيسة الشرفية لجمعية القاضي عياض للتضامن والتنمية المستدامة وبعد مناقشات مستفيضة توصلت إلى إجماع الحضور على أنَّ القانون 43.22 رغم ما يقدمه من هندسة تقنية متماسكة للعقوبات البديلة، فإن نجاحه عملياً يظل رهيناً بعوامل ميدانية، منها قدرة الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية والجمعيات على استقبال وتأطير أعداد كافية من المحكومين في إطار العمل للمنفعة العامة، كما يطرح حجم الاستثناءات، وتوجس جزء من الرأي العام والقضاة من “التساهل”، تساؤلات حول مدى قدرة هذه المنظومة الجديدة على إحداث تغيير ملموس في نسب الاعتقال وفي منطق “السجن كعقوبة افتراضية أولى”، ما يستدعي مواكبة القانون بسياسات تواصلية وتكوينية وحكامة جيدة لمشاريع الاستقبال والمتابعة.





