
حسين العياشي
تفجّر الجدل داخل البرلمان المغربي حول شبهات تضارب المصالح بين بعض أعضاء الحكومة، فأعاد إلى الواجهة سؤالاً قديماً يتجدد كلما ظهر ملف مشابه: أين يقف الإطار القانوني المنظم لهذه القضايا، وما حدود فعاليته في غياب نصوص واضحة تُجرّم الإثراء غير المشروع واستغلال النفوذ؟ ومع اتساع النقاش، برز صوت المحامي والحقوقي محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، مذكّراً بما ينص عليه الفصل 36 من الدستور، باعتباره واحداً من أهم الأسس الدستورية التي تواجه الشطط في استعمال السلطة وتضارب المصالح وكل التجاوزات المالية المرتبطة بتدبير الشأن العام.
في تدوينة نشرها على حسابه، اعتبر الغلوسي أن هذا الفصل الدستوري ليس مجرد إعلان نوايا، بل تجسيد صريح لما يجري تداوله داخل المؤسسة التشريعية بشأن شبهات تحوم حول وزيرين بالحكومة. غير أن المعضلة، في نظره، أن الحكومة ذاتها ترفض تجريم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، وتتعامل مع مطالب مكافحة الفساد كما لو أنها “شعبوية ومزايدات”، بل وصل الأمر حد القول إن الفساد “لا يُرى بالعين المجرّدة”.
ويرى الغلوسي أن الفصل 36، إلى جانب المسؤوليات الملقاة على عاتق السلطات العمومية في الوقاية من الانحرافات المتعلقة بالصفقات العمومية واستغلال النفوذ وتدبير المال العام، يظل مشرّعاً دون أثر فعلي ما دامت القوانين التي يفترض أن تُترجم هذه المبادئ إلى إجراءات ملزمة لا تزال غائبة. وهكذا يصبح النص الدستوري معلّقاً في الهواء، فاقداً لقوته الردعية.
ولم يتوقف الغلوسي عند هذا الحد، بل وسّع النقاش ليضعه في سياق سياسي وأخلاقي أوسع. فالأفعال التي أثارت الجدل، حسب رأيه، “لا يعاقب عليها القانون الجنائي”، رغم أن الفصول الدستورية 154 و155 و156 تلزم المرافق العمومية باحترام مبادئ النزاهة والمساواة والحياد. لكن هذه المبادئ، كما يشدد، لا يمكن أن تتحول إلى ممارسة مؤسساتية مستقرة ما لم تُسن قوانين واضحة تُجرّم تضارب المصالح وتضع حدّاً لكل مسالك استغلال السلطة.
وفي ختام موقفه، رسم الغلوسي صورة لوضع يصفه بـ”العبث”: واقع تُغيب فيه الإرادة السياسية الحقيقية، وتُترك فيه قواعد الشفافية معلّقة دون حماية تشريعية. وضع يستفيد منه، كما يقول، من لا مصلحة لهم إطلاقاً في وجود قوانين صارمة تربط المسؤولية بالمحاسبة وتقطع مع الفساد في جذوره.





