الغلوسي وفوضى الدراجات: الحكومة تلاحق المواطنين وتغض الطرف عن كبار المستفيدين

حسين الغياشي
أثار ملف الدراجات النارية من فئة 49 سم³ جدلاً واسعًا في المغرب، بعدما تبين أن الحكومة تتعامل مع الأزمة بمنطق ارتجالي، ما يضع المواطنين الذين يعتمدون على هذه الوسائل كأداة عمل أو وسيلة تنقل يومية في مواجهة مباشرة مع القانون، بينما يغيب مساءلة المستوردين والموزعين الفعليين الذين سمح لهم بإغراق السوق بمنتجات رديئة دون مراقبة.
رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي أكد، أن الأزمة تكشف هشاشة الحكومة في إدارة الملفات الحيوية، مشددًا على أن “محاسبة المسؤولين الحقيقيين عن إغراق السوق أمر ضروري، وليس تحميل المواطنين العبء وحدهم”. وأوضح أن كبار الفاعلين الاقتصاديين الذين استفادوا من الفوضى وجني الأرباح الطائلة لا يجرؤ أحد على مساءلتهم، بينما يواجه المواطنون الصغار تبعات هذا الإغراق. وأضاف الغلوسي أن القضية تحتاج إلى دراسة شاملة من الجوانب القانونية والاجتماعية والاقتصادية، لضمان سلامة وأمن المواطنين، وضبط العلاقة مع المنتجين الذين سمح لهم بإغراق السوق دون مراقبة.
النائبة البرلمانية فاطمة التامني، عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، وجهت من جهتها، سؤالاً كتابيًا إلى وزير النقل واللوجيستيك، انتقدت فيه “التناقض الصارخ” بين السماح باستيراد هذه الدراجات ومحاسبة المواطنين الذين يقتنونها بحسن نية. وأوضحت أن العقوبات تصل إلى 30 ألف درهم، إلى جانب إمكانية الحبس ومصادرة الدراجة، مستنكرة عدم وجود حملة تحسيسية أو توجيهية قبل تطبيق هذه الإجراءات، ما يخلق ارتباكًا ويؤثر على استقرار الشباب الاجتماعي والاقتصادي.
الأزمة ليست مجرد مسألة قانونية، بل تحمل أبعادًا اقتصادية واجتماعية كبيرة. فهذه الفئة من الدراجات تعد مصدر رزق للعديد من الشباب العاملين في التوصيل والخدمات، حيث تعتمد عليها الأسر في مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة. كما أن الإجراءات الحالية تفتقد لأي دراسة أثر اجتماعي، ما يجعلها عقابية وغير عادلة، ويهدد قدرة الشباب على الاستمرار في نشاطهم.
الخبراء يشيرون إلى أن معالجة المشكلة بحاجة إلى مقاربة شاملة، تشمل محاسبة المنتجين والمستوردين المخالفين، ووضع معايير تقنية صارمة للمركبات، مع حملات توعية للمواطنين حول السلامة الطرقية. كما يقترح البعض تنظيم السوق بطريقة تمنع التلاعب بالمنتجات وتضمن جودة الدراجات، بدل الاعتماد على المراقبة الزجرية التي تصطاد المستخدمين الضعفاء.
في النهاية، تكشف أزمة الدراجات عن “ثغرة” حقيقية في سياسة الحكومة تجاه الشباب والاقتصاد اليومي، حيث يظل المواطنون الصغار الأكثر تضررًا من الفوضى، بينما تستمر أرباح كبار المستفيدين دون مساءلة، ما يفرض على السلطات مراجعة شاملة واستراتيجية متوازنة تجمع بين السلامة الطرقية وحماية القدرة الشرائية، وإعادة النظر في الإطار القانوني المؤطر لهذه الفئة من المركبات.