المجلس الوطني لحقوق الإنسان: لا ديمقراطية بلا احتجاج سلمي ولا حقوق مع العنف والتخريب

حسين العياشي
خرج المجلس الوطني لحقوق الإنسان، برئاسة أمينة بوعياش، بخلاصات وتوصيات أولية تسعى إلى وضع أحداث الاحتجاجات الأخيرة، في إطارها الحقوقي والدستوري، مؤكداً أن الحق في التظاهر السلمي جزء لا يتجزأ من مكتسبات المسار الديمقراطي بالمغرب.
شدد المجلس على أن الحق في التظاهر السلمي مكفول دستورياً ودولياً، داعياً إلى قراءة مرنة لهذا الحق قائمة على المقاربة الحقوقية، بعيداً عن التركيز المفرط على مسألة الترخيص أو الإشعار، مقابل ضمان الطابع السلمي للتجمعات. وأكد أن مسؤولية الحفاظ على النظام العام تقع بالتوازي على عاتق السلطات العمومية والمنظمين على حد سواء.
من جهة أخرى، أبرزت المؤسسة أن الفضاء الرقمي تحول إلى ساحة جديدة للحريات، حيث يصوغ الشباب أنماطاً مبتكرة للمشاركة والتعبير حول قضايا مطلبية أساسية. لكن المجلس نبه أيضاً إلى ما رصده من حملات تضليل رقمي ودعوات صريحة للعنف، وصلت حد التحريض على إضرام النار في مؤسسات عمومية، مهاجمة بنايات حكومية، أو حتى تهديد شخصيات عمومية بالتصفية الجسدية. وأوضح أن عدداً من هذه الحسابات حديثة النشأة وتفتقر إلى محتوى أو متابعين، فيما يعود بعضها إلى مصادر أجنبية، مما يثير أسئلة إضافية حول خلفياتها.
كما أكد المجلس أن الاحتجاجات انطلقت في أجواء سلمية، لكنها شهدت لاحقاً انزلاقات خطيرة تمثلت في رشق بالحجارة، وأعمال شغب وتخريب، وإحراق سيارات، ونهب ممتلكات عامة وخاصة. وفي هذا السياق شدد على ضرورة حماية المتظاهرين وضمان سلامتهم الجسدية، بما في ذلك حماية رجال الأمن أنفسهم من أي اعتداء.
وفي متابعته الميدانية، وقف المجلس على تظاهرات في مدن عدة مثل سلا، الرشيدية، الداخلة، تارودانت (القليعة) والرباط، بمشاركة واسعة لليافعين والقاصرين. غير أن بعض هذه الاحتجاجات تخللتها أحداث دامية، أبرزها وفاة ثلاثة أشخاص بالقليعة (عمالة إنزكان – آيت ملول) جراء إطلاق نار، إضافة إلى إصابات في صفوف المحتجين ورجال الأمن. المجلس عبّر عن أسفه العميق لهذه الخسائر البشرية، مؤكداً متابعته للتقرير الرسمي الصادر حول ظروف هذه الوفيات.
رحب المجلس بإطلاق سراح عدد من الموقوفين، لكنه في المقابل أدان بشدة محاولة اقتحام وإحراق مركز الدرك الملكي بالقليعة، حيث تقطن أسر لعناصر الدرك بالطابق العلوي. وطالب بفتح تحقيق شامل حول حالات المساس بالحق في الحياة والسلامة الجسدية، متعهداً بمواصلة الرصد الميداني ومتابعة مجريات المحاكمات ذات الصلة.
في ختام تقريره، وجه المجلس تعازيه لذوي الضحايا، وأكد استعداده، رفقة لجانه الجهوية، للانفتاح على كل أشكال الحوار والتعبير، بهدف تكريس ممارسة فعلية للحقوق والحريات لجميع المواطنات والمواطنين، في إطار دولة الحق والقانون.
بهذا الموقف، يحاول المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن يعيد ضبط النقاش العمومي على قاعدة مرجعية الحقوق والحريات، مذكراً بأن الديمقراطية لا تُبنى إلا بترسيخ ثقافة الاحتجاج السلمي، وضمان شروطه، وتحصين المجتمع ضد كل نزوع نحو العنف أو الانزلاق خارج الضوابط القانونية.