المرأة المغربية في عهد جلالة الملك محمد السادس.. من الرمز إلى الفعل

حسين العياشي
ستة وعشرون عامًا مرت على اعتلاء جلالة الملك محمد السادس عرش المملكة المغربية، ستة وعشرون عامًا من التحولات العميقة، ومن أبرز تجلياتها التحول الجذري في وضعية المرأة المغربية، سواء على المستوى القانوني أو الاقتصادي أو السياسي أو الرمزي.
منذ خطاب العرش الأول سنة 1999، وضع جلالة الملك قضية تمكين المرأة ضمن أولويات المشروع المجتمعي الحداثي، مؤكدًا أن الإنصاف والمساواة ليستا ترفًا حقوقيًا، بل أساسًا لبناء مغرب جديد. وقد تجسدت هذه الرؤية في خطوات إصلاحية متتالية غيرت ملامح الحضور النسائي في المشهد الوطني.
كانت سنة 2004 محطة مفصلية، مع تعديل مدونة الأسرة، التي اعتُبرت آنذاك ثورة هادئة في التشريع المغربي، حيث منحت المرأة وضعًا قانونيًا أكثر عدالة، في مجالات مثل الزواج، الطلاق، الحضانة والولاية، دون أن تخرج عن روح الشريعة الإسلامية.
لاحقًا، ومع إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تم إدماج آلاف النساء، خاصة في العالم القروي، ضمن مشاريع مدرة للدخل، مما ساهم في تقليص الفوارق وتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية والمجالية.
أما سياسيًا، وبفضل اعتماد نظام الكوطا او ما يصطلح عليه في الحقل العلمي ب”التمييز الإيجابي”، ارتفعت نسبة تمثيل النساء في البرلمان والمجالس المنتخبة، وشهدت الحياة السياسية دخول كفاءات نسائية فاعلة، مما أسهم في تنويع القرار السياسي وتعزيز تمثيلية المجتمع المغربي بكل فئاته.
اقتصاديا، دخلت المرأة مجالات كانت حتى وقت قريب حكرًا على الرجال. فلأول مرة، رأينا سفيرات، وزيرات وقاضيات، بالإضافة إلى مسؤولات في مناصب أمنية حساسة، كما باثت تسند لها مهمات رئاسة لجان برلمانية مهمة، ما يعكس ثقة الدولة في قدرات المرأة المغربية.
ورغم كل هذه المكتسبات، لا تزال هناك تحديات حقيقية، سواء في سوق الشغل، أو في بعض القوانين التي لا تواكب تحولات المجتمع. وفي مقدمتها مدونة الأسرة، التي دعا جلالة الملك بنفسه إلى مراجعتها، من أجل تحقيق توازن عادل بين مقومات الشرع ومبادئ المساواة والعدالة.
واستجابة لهذا التوجيه الملكي، أُطلقت سنة 2023 مشاورات وطنية موسعة، شاركت فيها مختلف مؤسسات الدولة، وعلماء الدين، وهيئات المجتمع المدني، ونخبة من الحقوقيين، لرسم معالم مدونة الأسرة الجديدة، تؤسس لمرحلة أكثر عدالة واستقرارًا للأسرة المغربية.
وفي الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، نستحضر مسارًا ملكيًا أعاد للمرأة المغربية موقعها الطبيعي والمستحق، وفتح أمامها آفاقًا غير مسبوقة للتمكين والمشاركة. مسار لم يكتمل بعد، لكنه يمضي بثبات نحو مغرب الإنصاف والكرامة والمساواة.





