المعارضة المغربية بين النص الدستوري وواقع التشتت السياسي

فاطمة الزهراء ايت ناصر

في ظل هيمنة الأغلبية الحكومية واستقرار مواقفها، تبدو المعارضة البرلمانية في المغرب ضعيفة، متفرقة، وغير قادرة على تشكيل جبهة موحدة تواجه بها القرارات والسياسات الحكومية.

فالوضع لا يعكس فقط خللاً ظرفياً في الأداء السياسي، بل يُبرز أزمة بنيوية تتعلق بغياب رؤية مشتركة بين مكونات المعارضة، حيث يغلب منطق التنافس على القيادة وتسجيل المواقف الفردية، على أي تفكير جماعي يُعلي مصلحة التوازن السياسي والديمقراطي.

تبدو المعارضة في المغرب وكأنها تسير في اتجاه الريح، بلا بوصلة واضحة ولا توافق داخلي، في وقت تواصل فيه أحزاب الأغلبية إحكام قبضتها على مفاتيح القرار داخل المؤسسة التشريعية. ورغم محاولات متفرقة لتحريك المياه الراكدة، سرعان ما تتبخر تلك المحاولات في صراعات داخلية وصدامات إعلامية تكشف أكثر مما تخفي.

آخر مشاهد هذا التخبط تمثل في فشل محاولة تفعيل ملتمس رقابة كان من المفترض أن يشكل حدثاً سياسياً بارزاً، لولا أن الخلافات بين مكونات المعارضة حول ما اعتُبر “تفاصيل ثانوية” فجرت المشروع من الداخل. إعلان الفريق الاشتراكي تعليق التنسيق مع باقي الفرق المعارضة، وعلى رأسها الحركي، التقدم والاشتراكية، والعدالة والتنمية، لم يكن فقط إعلان نهاية لمبادرة، بل فضح هشاشة الجبهة المعارضة برمتها.

ما أعقب هذا الفشل لم يكن أقل حدة؛ تصريحات متبادلة، واتهامات علنية، وسباق نحو تحميل المسؤوليات، كل طرف يتبرأ من الإخفاق ويلقي اللوم على الآخرين. مشهد لا يعكس فقط فشلاً في التنسيق، بل يكشف عن عمق الهوة بين فاعلين يُفترض فيهم أن يشكلوا معاً جبهة رقابية موحدة.

ورغم أن الدستور المغربي، خاصة منذ تعديل 2011، منح المعارضة دورًا مهمًا وأدوات فعالة مثل الحق في ملتمسات الرقابة وتقديم مقترحات قوانين والطعن أمام المحكمة الدستورية، إلا أن هذه الإمكانيات بقيت غير مستثمرة بالشكل المطلوب.

فالمعارضة، بدل أن تُفعّل هذه الآليات لخلق ضغط سياسي مؤثر، اكتفت بخطاب متكرر لا يتجاوز في أحيان كثيرة منبر الجلسات العامة، دون أن يرافقه عمل ميداني أو تعبئة مجتمعية.

الأكثر من ذلك، أن بعض الأحزاب المكونة للمعارضة، مثل الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية، تتصرف بمنطق انعزالي، وكأنها تشتغل في جزر مستقلة، دون تنسيق جاد أو استراتيجية مشتركة. هذا التشتت يجعل المعارضة في موقع ضعف دائم، بينما تستفيد الأغلبية من وحدتها وعدد مقاعدها المريح لتمرير سياساتها بسهولة.

وفي غياب معارضة قوية ومتماسكة، بدأت بعض الوجوه النيابية الفردية تملأ هذا الفراغ عبر مداخلات قوية وجريئة تلامس هموم الشارع، فتلقى صدى واسعاً بين المواطنين. أسماء مثل عبد الله بوانو، نبيلة منيب، وريم شباط، باتت تحظى بتقدير شعبي نظراً لجرأة مواقفها وتفاعلها مع القضايا الملحة. ومع ذلك، فإن تأثير هذه الأصوات يبقى محدوداً، ما دامت لا تندرج ضمن رؤية مؤسساتية متكاملة لمعارضة تؤمن بضرورة تقاسم الأدوار وبناء التراكم.

الوقت لم ينتهِ بعد، وما تبقى من عمر الولاية التشريعية يمكن أن يشكل فرصة لإعادة ترتيب البيت الداخلي للمعارضة، والقطع مع منطق الانفرادية والانغلاق. المطلوب اليوم ليس فقط تفعيل الآليات الدستورية، بل أيضا الخروج من أسوار البرلمان والانفتاح على قضايا المجتمع، والتنسيق مع الفاعلين المدنيين والنقابيين لخلق حركية جديدة تساهم في إعادة الثقة في العمل السياسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى