المغرب في صدارة المغرب العربي.. لكن بأي حرية اقتصادية؟ (تقرير)

حسين العياشي

مرة أخرى، ينجح المغرب في تصدّر دول المغرب العربي في تقرير معهد فريزر الكندي حول الحرية الاقتصادية لعام 2025، محققًا معدل 6,88 على 10 ومرتبة عالمية في حدود السبعين. تقريرٌ يبدو للوهلة الأولى مبعث فخر، لكنه يفتح في العمق بابًا واسعًا للتساؤل: إلى أي حد تعكس هذه الأرقام واقع الاقتصاد المغربي، حيث لا تزال البيروقراطية، والاحتكار، وضعف العدالة الاقتصادية، تحدّ من دينامية السوق وتكافؤ الفرص؟

يُثني التقرير على استقرار العملة وصرامة السياسة النقدية لبنك المغرب، ويمنح المملكة نقطة قوية في محور “العملة السليمة” بلغت 7,09. غير أن هذا الاستقرار النقدي، الذي يُعد ميزة على الورق، لا يوازيه في الواقع استقرارٌ في القدرة الشرائية أو عدالة توزيع الثروة. فبينما تنضبط المؤشرات الكلية، تتآكل مداخيل الطبقات الوسطى والفقيرة بفعل ارتفاع الأسعار وضعف الأجور، ما يجعل “الحرية الاقتصادية” مفهومًا نسبيًا، لا يعيش المواطن العادي انعكاساته الملموسة.

في مجال التنظيم الاقتصادي، يسجّل المغرب تحسنًا نسبيًا بفضل تبسيط بعض المساطر وتعزيز جاذبية الاستثمار. لكن هذا التقدم يظل هشًّا أمام ثقل الاقتصاد غير المهيكل، وبطء إصلاح الإدارة، واستمرار مركزية القرار الاقتصادي في يد فاعلين محدودين. فحرية السوق لا يمكن أن تكتمل في ظل غياب تكافؤ الفرص أمام المستثمرين الصغار والمقاولات الناشئة.

أما في محور النظام القضائي وحقوق الملكية، حيث احتل المغرب المرتبة 128 عالميًا، فذلك المؤشر يلخّص جوهر الإشكال. لأن أي اقتصاد حر يحتاج قبل كل شيء إلى قضاء قوي، ومؤسسات رقابية قادرة على فرض القانون على الجميع، وضمان الشفافية في مناخ الأعمال. وهنا بالضبط تنكسر طموحات الإصلاح على صخرة الممارسة.

صحيح أن المغرب يواصل تحسين صورته الخارجية، ويكسب نقاطًا في تصنيفات المؤسسات الدولية، لكن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل هذه التراتبية الرقمية إلى تحوّل بنيوي داخل الاقتصاد الوطني. فالمطلوب اليوم ليس فقط تصدّر المؤشرات، بل بناء نموذج اقتصادي أكثر عدلاً وشمولاً، يحرّر طاقات الشباب ويضمن الكرامة الاقتصادية للمواطن، قبل أن يتحدث عن الحرية في لغة الأرقام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى