المغرب في قلب الانفتاح الاقتصادي.. إنجازات ملحوظة وتحديات مستمرة للمناطق القروية (تقرير)

حسين العياشي
خلال عقدين، نجح المغرب في ترسيخ مكانته بين الاقتصادات الأكثر انفتاحًا في إفريقيا، بفضل استراتيجية متقدمة في توقيع اتفاقيات التبادل الحر. هذه السياسات ساعدت على جذب الاستثمارات، تطوير الصناعة، وتنشيط بعض القطاعات الزراعية، لكنها في الوقت نفسه كشفت عن تفاوتات اقتصادية كبيرة، تُظهر أن ثمار العولمة لم تصل إلى الجميع بالمستوى نفسه، وفق تقرير حديث لمؤسسة فريدريش ناومان ستيفتونغ “friedrich naumann stiftung”.
انطلاق التحول الاقتصادي يعود إلى اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي سنة 2000، التي شكّلت نقطة تحول حاسمة بعد عقود من الانفتاح التدريجي على التجارة الخارجية. التقرير الذي أعدته كينزا سانانة بعنوان «المغرب يسرّع الانفتاح التجاري: هل تضررت صغار الفلاحين؟» يوضح أن نسبة التجارة الخارجية إلى الناتج الداخلي الخام قفزت من 59٪ سنة 2000 إلى حوالي 79٪ في 2019، حسب بيانات مكتب الصرف.
قطاع السيارات مثّل أبرز نجاحات المغرب، مع مصنع رينو-نيسان في طنجة الذي بات ينتج سنويًا 400 ألف سيارة ويحوّل المملكة إلى لاعب عالمي. كذلك استفادت الزراعة، خصوصًا في مناطق سوس ماسة، العرائش والقنيطرة، حيث استثمرت الشركات الكبرى في نظم الري الحديثة والبنية التحتية اللوجستية، ما عزز حضورها في السوق الأوروبية ورفع قيمة منتجاتها.
النجاحات لم تقتصر على الصناعة والزراعة؛ فبفضل ميناء طنجة المتوسط، الذي أصبح أكبر مركز لوجستي في إفريقيا، أصبح المغرب منصة ربط حيوية بين أوروبا وأفريقيا، مع ما يزيد عن خمسين اتفاقية تجارة حرة موقعة، ما عزز جاذبية المملكة للمستثمرين العالميين.
مع ذلك، يبقى الواقع الاقتصادي متباينًا. التنمية اقتصرت على السواحل والمناطق الصناعية، بينما بقيت المناطق الريفية خارج دائرة الانتفاع. صغار الفلاحين، الذين يشكلون 80٪ من اليد العاملة الزراعية، لم يلحظوا تحسنًا كبيرًا في معيشتهم اليومية. في المناطق الجبلية وشبه الجافة مثل أزيلال وبني ملال-خنيفرة، لا تتجاوز مساحة الحيازة الفردية خمسة هكتارات، ما يحد من الاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير.
كما أن ضعف البنية التحتية يعقد الوصول إلى الأسواق؛ حيث لا تتوفر حلول النقل المبرد إلا لـ 12٪ من صغار المنتجين، ما يفاقم الفاقد بعد الحصاد ليصل أحيانًا إلى 30٪، حسب منظمة الأغذية والزراعة (FAO). حتى المناطق القريبة من الأسواق تبقى خارج منظومة التجارة الحديثة، إذ أن نجاح الصادرات يعتمد أكثر على جودة البنية التحتية من الموقع الجغرافي.
تعتمد معظم الصادرات المغربية على السوق الأوروبية، وهو ما يعرّض الاقتصاد لتقلبات خارجة عن السيطرة. ورغم الانضمام إلى منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، تظل خيارات التنويع محدودة.
تهدف برامج مثل «جيل أخضر» 2020-2030 و«المثمر» إلى إشراك الشباب وصغار المنتجين في سلسلة القيمة، ونشر التقنيات المستدامة، وتحسين الممارسات الزراعية. إلا أن العقبات البيروقراطية ما زالت تعرقل استفادة الشركات الصغيرة من اتفاقيات التجارة الحرة، حيث تشير بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن 37٪ فقط من الشركات المؤهلة تستخدم هذه الاتفاقيات فعليًا.