
فاطمة الزهراء ايت ناصر
يشهد القطاع السياحي المغربي دينامية استثنائية مدفوعة بإرادة سياسية واضحة، واستراتيجية منفتحة، واستفادة ذكية من التحولات الجيوسياسية الدولية. فمع اقتراب المملكة من احتضان تظاهرات كبرى على غرار كأس الأمم الإفريقية 2025 وكأس العالم 2030، ومع تصاعد المؤشرات الإيجابية على مستوى الاستثمارات وعدد الزوار، يلوح في الأفق مستقبل واعد يعزز مكانة المغرب كوجهة سياحية رائدة في إفريقيا والمتوسط.
في هذا السياق، توقف عدد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين عند الأسس التي يقوم عليها هذا النمو، وعند التحديات الكامنة في المرحلة المقبلة، مؤكدين على أهمية ترسيخ الاستقرار، وتحفيز الاستثمار، وتجويد الخدمات، لبلوغ أهداف تتجاوز سقف 20 مليون سائح سنويًا.
وزن السياحة الفاخرة في الاقتصاد المغربي
أكد الزوبير بوحوت أن السياحة الفاخرة أصبحت تشكل ركيزة اقتصادية واعدة للمغرب، نظرًا لما توفره من مردودية عالية وقيمة مضافة قوية، مشيرًا إلى أن هذا التوجه ليس اعتباطيًا، بل هو نابع من قراءة دقيقة لحاجيات الأسواق العالمية ولفئات سياحية تملك قدرة شرائية مرتفعة.
وأوضح ل“إعلام تيفي” أن المغرب، بفضل تنوع عرضه السياحي وغناه الثقافي والطبيعي، أصبح مؤهلاً لاستقبال هذا النوع من السياح الباحثين عن الجودة والتجربة الرفيعة.
وأوضح الخبير أن التحول نحو السياحة الفاخرة جاء نتيجة وعي استراتيجي بضرورة استهداف الأسواق القوية عالميًا، وتوفير عرض ملائم لجميع الفئات، دون إغفال الفئة الراقية التي تبحث عن تجربة استثنائية.
وأضاف أن المدن المغربية مثل مراكش، الرباط، فاس، الدار البيضاء، وأكادير، بالإضافة إلى ورزازات، تتمتع بمقومات قوية لجذب هذا النوع من السياح، سواء عبر البنيات التحتية، أو الفنادق التاريخية والفاخرة، أو التراث الثقافي الغني.

وأشار إلى أن الرباط وحدها سجلت ارتفاعًا بنسبة 104% في الأداء السياحي للفنادق الفاخرة سنة 2025، وهو مؤشر على ازدياد الإقبال على هذا النوع من الخدمات، وتأكيد على جاذبية الوجهة المغربية في هذا الإطار.
وسلط بوحوت الضوء على أمثلة تاريخية وشخصيات عالمية زارت المغرب وأقامت في فنادقه، مثل ونستون تشرشل، وبراد بيت، ما يكرس صورة المغرب كوجهة مفضلة للنجوم والشخصيات الرفيعة.
وأشار إلى مشاريع سياحية ضخمة، من بينها فندق فاخر مرتقب في برج محمد السادس بمدينة سلا، ثاني أعلى برج في إفريقيا، مما يعكس توجهًا رسميًا ومؤسساتيًا نحو تقوية العرض الفندقي الراقي.
ولفت بوحوت إلى أن الصين أصبحت تضم أكبر عدد من أصحاب الثروات في العالم، حيث يتجاوز عدد المليونيرات 4 ملايين شخص، متفوقة على الولايات المتحدة والهند.
وأشار إلى أن استهداف السياح الصينيين الذين يبحثون عن وجهات تقدم الرفاهية والتجربة الثقافية المتميزة، يمثل فرصة كبيرة للمغرب، خاصة وأن المملكة تتوفر على منتوج سياحي ينسجم مع تطلعات هؤلاء السياح.
وأوضح الخبير أن الهوية المغربية، بكل ما تحمله من أصالة وتنوع في الطبخ، الصناعة التقليدية، والضيافة، تشكل جزءًا لا يتجزأ من عرض السياحة الفاخرة. وتوقف عند عناصر تراثية بسيطة ولكنها ذات دلالة رمزية كبيرة، مثل كأس الشاي، والتمر بالحليب، وأطباق كالبسطيلة، والكسكس، والمشوي، التي تُقدّم في أجواء تعكس الذوق المغربي الرفيع.
وكشف أن المغرب يمتلك القدرات، والبنيات، والتقاليد، والإرادة السياسية، التي تؤهله ليكون من بين الدول الرائدة عالميًا في السياحة الفاخرة، وهي خطوة ذكية في ظل المنافسة الشرسة على السوق السياحية العالمية.
وأكد الخبير، أن المغرب يواصل ترسيخ مكانته كواحد من أبرز الوجهات العالمية في مجال السياحة الفاخرة، بفضل تراكم خبرات عقود من الزمن، واستراتيجية طموحة تنسجم مع “خريطة الطريق 2023-2030”
السياحة الفاخرة في المغرب تنمو بـ10% سنويًا ومداخيلها قد تتجاوز 300 مليون دولار
في هذا السياق أكد آرام بلحاج، الأستاذ الجامعي والباحث في كلية العلوم الاقتصادية بنابل، أن المغرب يشهد دينامية لافتة في قطاع السياحة الفاخرة، مدفوعة بالاستقرار السياسي والتنوع الثقافي والمرونة التشريعية.
وأوضح بلحاج، خلال استضافته في برنامج “الأسبوع الاقتصادي”، أن المملكة المغربية استقبلت في سنة 2024 أكثر من 17 مليون زائر، وهو رقم يعكس استعادة المغرب لعافيته السياحية بعد التحديات العالمية، مضيفًا أن عدد الفنادق الفاخرة عرف بدوره زيادة بنسبة 8% خلال الفترة ذاتها.
وكشف الأستاذ التونسي أن السياحة الفاخرة في المغرب تمثل ما بين 15% و20% من إجمالي النشاط السياحي، أي ما يعادل 200 إلى 300 مليون دولار من المداخيل سنويًا. كما أشار إلى أن هذا النوع من السياحة يحقق نموًا سنويًا يتراوح بين 8% و10%، حسب تقديرات آخر دراسة أعدها مكتب “ماكنزي” سنة 2022.
وأضاف أن السياحة الفاخرة تدر حاليًا حوالي 12% من إجمالي العائدات السياحية، ما يجعلها ركيزة اقتصادية واعدة، تستحق مزيدًا من الاهتمام والدعم من مختلف الفاعلين، سواء في القطاعين العام أو الخاص.
وفي معرض حديثه عن الخصوصية المغربية في مجال السياحة الراقية، أوضح آرام بلحاج أن الاستقرار السياسي يعد عامل جذب رئيسي للسياح من ذوي الدخل المرتفع، إلى جانب تنوع المنتوج السياحي، الذي يجمع بين المدن التاريخية، والمنتجعات الساحلية، والمناطق الجبلية، بالإضافة إلى غنى الثقافة المغربية وتميزها.
وأشار بلحاج إلى أن المغرب يحتضن عددًا من المهرجانات والتظاهرات الدولية التي تساهم في تعزيز مكانته، مثل مهرجان الضحك ومهرجان مراكش الدولي للسينما، والتي تمنح للسياحة المغربية بُعدًا ثقافيًا وفنيًا عالميًا.
كما أكد أن الإطار القانوني المغربي يشجع على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ويوفر مناخًا محفزًا للاستثمار السياحي، مضيفًا أن سهولة التنقل الجوي نحو المدن المغربية يشكل بدوره نقطة قوة في تسويق الوجهة المغربية لدى السياح الفاخرين.
ولم يغفل بلحاج الإشارة إلى أن ما يميز المغرب كذلك هو القدرة على المزج بين التراث والحداثة، وبين الطابع الشرقي والغربي، وهو ما يضفي على التجربة السياحية طابعًا فريدًا يصعب توفره في وجهات منافسة.
في الختام، شدد آرام بلحاج على أن السياحة الفاخرة ليست مجرد سوق ثانوي، بل قطاع استراتيجي يمكن أن يشكل دعامة أساسية للاقتصاد المغربي، بالنظر إلى العائدات المرتفعة التي يحققها، وفرص الشغل التي يوفرها، والصورة الإيجابية التي يكرسها عن المغرب كوجهة راقية وآمنة.
السياحة تمثل ركيزة استراتيجية بعد الفوسفات
أكد محمد الألفي، مستشار في الاقتصاد السياسي، أن تطور السياحة في المملكة المغربية لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج لإرادة سياسية واضحة واستراتيجيات متعاقبة على مدى سنوات، تهدف إلى تحويل القطاع إلى رافعة اقتصادية شاملة.
وأوضح الألفي، خلال مشاركته في برنامج “الأسبوع الاقتصادي”، أن المغرب مقبل على تنظيم أحداث رياضية كبرى مثل كأس إفريقيا للأمم وكأس العالم 2030، وهي مناسبات تتطلب جاهزية عالية وقدرة كبيرة على استيعاب الزوار، مما يجعل تطوير القطاع السياحي أولوية قصوى.
وكشف المستشار المصري أن نجاح المغرب في تطوير السياحة لا يعود فقط إلى التخطيط الحكومي، بل أيضًا إلى التحولات الجيوسياسية في المنطقة، إلى جانب وجود إدارة واعية وحكومات متعاقبة جعلت من هذا القطاع أداة لحل العديد من الإشكاليات الاقتصادية.
وأضاف أن القطاع السياحي يفتح فرصًا واسعة للتوظيف وجلب الاستثمارات، كما يساهم في تحويل عدد من الزوار إلى مستثمرين دائمين، وهو ما يعكس قدرة المغرب على جذب الرأسمال الأجنبي، خاصة بفضل مرونة التشريعات وسهولة الإجراءات الإدارية.
وشدد الألفي على أن السياحة تُعد أحد أهم مصادر الدخل في المغرب بعد الفوسفات، حيث تلعب دورًا محوريًا في الموازنة العامة للدولة، وهو ما يستدعي مزيدًا من الجهود لتحديث القوانين ذات الصلة، بما لا يتعارض مع الدستور المغربي، خصوصًا في ما يتعلق بتسهيل إجراءات التأشيرات وجعلها إلكترونية، دون الإخلال بالمنظومة الأمنية.
وأشار في هذا الصدد إلى أن الاستقرار السياسي والأمني في المغرب يمثلان عنصرين حاسمين في جذب السياح والمستثمرين على حد سواء، معتبرًا أن “السائح في المغرب يشعر بالأمان، وهذه نقطة تُحسب لصالح المملكة في سوق سياحي عالمي يتسم بالتنافسية العالية.”
كما دعا الألفي إلى تبني برامج سياحية متنوعة بتكلفة متدرجة، تستهدف مختلف فئات الزوار، من محدودي الدخل إلى الباحثين عن الرفاهية، مشددًا على ضرورة إعادة هيكلة عدد من الفنادق والمنشآت السياحية لتواكب متطلبات السوق العالمية ولتمكين وكالات السفر من الترويج الأفضل للوجهة المغربية.
وختم الألفي حديثه بالتأكيد على أهمية رفع كفاءة العاملين في القطاع السياحي، خاصة في ظل استعداد المغرب لتنظيم تظاهرات عالمية. وقال إن المغرب لم يعد يحتمل “أخطاء بشرية بسيطة”، بل يحتاج إلى تقديم خدمات بمستوى يضاهي النظم العالمية، تماشيًا مع مكانته المتصاعدة في الخريطة السياحية الدولية.
المغرب اجتمع فيه ما لم يجتمع في غيره..
أكد الزوبير بوحوت، الخبير في الاقتصاد السياحي وتحليل الأسواق، أن المغرب يمتلك اليوم منظومة متكاملة تجعل منه وجهة سياحية واستثمارية رائدة في المنطقة، بفضل عوامل متعددة تجمع بين الاستقرار السياسي والأمني، القرب الجغرافي من أوروبا، والربط الجوي المتنامي مع الأسواق العالمية الكبرى.
وقال ل“إعلام تيفي” أن الاستقرار الأمني والسياسي يشكلان حجر الزاوية في الجاذبية السياحية للمملكة، إلى جانب انفتاحها على أسواق قوية مثل الولايات المتحدة، الصين، الهند والبرازيل، مؤكدًا أن هذه العوامل مجتمعة تعزز موقع المغرب في خارطة السياحة العالمية.
أوضح بوحوث أن المغرب بدأ العمل بنظام التأشيرة الإلكترونية، وهو ما بدأ يعطي ثماره تدريجيًا في تسهيل دخول السياح وزيادة أعدادهم. كما أشار إلى أن الدولة تعمل على تحفيز الاستثمار عبر ميثاق الاستثمار الجديد الذي يمنح دعمًا مباشرًا يصل إلى 30% من قيمة المشروع، وهو ما يشكل حافزًا قويًا للمستثمرين، سواء الأجانب أو المغاربة.
وكشف الخبير أن هناك برامج دعم تشمل أيضًا تمويل القروض المرتبطة بتطوير الفنادق والبنيات السياحية، مثل برنامج “Cap Hospitality”، مشيرًا إلى أن الدعم قد يصل إلى 3.5 مليون دولار من أصل مشروع قيمته 10 ملايين دولار، بحسب أسعار الفائدة الحالية.
وشدد بوحوث على أن القرب الجغرافي من أوروبا، ووجود شبكة مواصلات متطورة أبرزها القطار فائق السرعة، يضعان المغرب في موقع تنافسي قوي. وأوضح أن هناك برنامجًا ملكيًا لتوسيع شبكة القطارات عالية السرعة بين القنيطرة ومراكش، ما من شأنه تسهيل تنقل السياح بين المدن وجذب مزيد من الزوار.
كما أشار إلى أن المغرب يعمل على تطوير أنماط سياحية جديدة، مثل السياحة العلاجية والسياحة القروية، إلى جانب السياحة الفاخرة التي تُعد الأعلى من حيث المردودية والعائد على الاستثمار.
وفي هذا السياق، أشار بوحوث إلى أن الرباط، التي شهدت تطورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، ستحتضن مهرجان “موازين” لموسيقى العالم، والذي يجذب أسماء دولية بارزة، مؤكدًا أن هذه التظاهرات الكبرى تساهم في إبراز المغرب كوجهة ثقافية وسياحية على حد سواء.
وأضاف أن وزارة السياحة وضعت هدفًا يتمثل في بلوغ 17.5 مليون سائح في أفق 2026، إلا أن المغرب اقترب من هذا الرقم بالفعل في 2024، ومن المرجح أن يتجاوزه في 2025 ليصل إلى أكثر من 20 مليون سائح.
وأكد على أهمية رفع كفاءة الموارد البشرية في القطاع السياحي، مشيرًا إلى وجود برنامج “كفاءة” الذي أطلقته وزارة السياحة لهذا الغرض، ومضيفًا أن “المغرب لا يملك اليوم هامشًا للخطأ”، نظرًا لتنامي حجم التحديات وتطلعات الزوار.
وأشار إلى أن السياحة الفاخرة، تحديدًا، تشهد تحولات ديموغرافية ورقمية ونوعية، ما يستدعي من السلطات مواكبة هذه التغيرات بشكل دائم، للحفاظ على ريادة المغرب في هذا القطاع الحيوي.





