
حسين العياشي
بفضل استراتيجية صناعية واضحة ومستدامة، استطاع المغرب أن يخلق بيئات صناعية ناجحة، ويقدم حوافز جذابة، ويستثمر في بنية تحتية قوية، مما أسهم في تكوين مناخ أعمال موثوق به نال إشادة المحللين الصينيين. لم يعد المغرب مجرد قاعدة ناشئة لإنتاج السيارات، بل أصبح لاعباً استراتيجياً لا يمكن تجاهله بالنسبة للمصنعين العالميين للإطارات. هذا ما أكده تقرير مفصل نشرته منصة “Tire China”، وهي منصة صينية متخصصة في تحليل سوق مكونات السيارات. وفقاً لهذا التقرير، فإن تسارع الاستثمارات من قبل الشركات الدولية في المغرب قد غيّر جغرافية الصناعة في المنطقة، مما دفع المملكة إلى قلب سلاسل الإمداد القريبة من أوروبا.
يشير التقرير إلى أن جاذبية المغرب تكمن أولاً في إعادة تشكيل سلاسل القيمة العالمية للإطارات، والتي أصبحت موجهة نحو مناطق منخفضة التكلفة، خالية من الحواجز الجمركية، وتقع بالقرب من السوق الأوروبي. في هذا السياق، تلعب صناعة السيارات المغربية دوراً حاسماً. ففي العام الماضي، بلغ إنتاج المغرب 560,000 سيارة، بينما يهدف إلى الوصول إلى مليون وحدة سنوياً بنهاية هذا العام، ما يرفع من الطلب المحلي على الإطارات بمعدل متزايد ومستدام.
ويذكر التقرير أن مصنع رينو في طنجة يعد من بين الأكثر كفاءة على مستوى العالم، حيث تتجاوز طاقته الإنتاجية 300,000 سيارة سنوياً. من جهتها، رفعت شركة ستيلانتس إنتاجها إلى 500,000 وحدة. وتعتمد هاتان الشركتان بشكل كبير على سلاسل الإمداد المحلية الموثوقة، مما يفتح أمام الشركات المصنعة للإطارات فرصة كبيرة. إلى جانب ذلك، يشهد المغرب أيضاً توافد شركات صينية عملاقة مثل “BYD” و”Geely”، التي تستورد معها نموذجاً مدمجاً لسلاسل الإمداد وتعزز جاذبية المملكة لدى الموردين الآسيويين الذين يتمتعون بالمرونة والتنافسية.
يؤكد تقرير “Tire China” أن المغرب يقدم للمستثمرين الصناعيين ميزة استراتيجية فريدة، حيث يجمع بين التكاليف التنافسية، والوصول المباشر إلى السوق الأوروبي، والاتفاقيات التجارية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والشرق الأوسط، إضافة إلى الاتصال بالموارد الإقليمية. ويتيح الإنتاج في المغرب تصدير المنتجات إلى أوروبا دون رسوم جمركية، مما يسمح بتجاوز التحقيقات المتعلقة بالإعانات في ظل الأزمة الطاقوية والتنظيمات اللوجستية الجديدة.
تعزز القرب الجغرافي من أوروبا هذه الجاذبية، حيث يبعد ميناء طنجة المتوسط عن السواحل الإسبانية 14 كم فقط، وهي مسافة أكثر فاعلية مقارنة ببعض دول أوروبا الشرقية في تدفقات الشحن. كما يتميز الميناء، الذي يعد من الأكثر كفاءة في إفريقيا، بمستوى عالٍ من الأتمتة وقدرته على معالجة كميات كبيرة من البضائع، بما يتناسب تماماً مع متطلبات سلاسل الإمداد “الخضراء” الأوروبية.
في ظل التحول البيئي الطموح في أوروبا، مثل آلية ضبط الكربون على الحدود، وتطبيق تعقب البطاريات، وتقليص بصمة الكربون للمواد الخام، يقدم المغرب ثلاثة مزايا رئيسية: احتياطيات ضخمة من الفوسفات، تعاون متقدم مع الاتحاد الأوروبي في مجالات الهيدروجين والكهرباء الخضراء، وميناء عالمي قادر على دعم التدفقات اللوجستية النظيفة.
على عكس العديد من الدول التي تظل استراتيجياتها الصناعية نظرية، يتميز المغرب باستراتيجية صناعية طويلة الأمد قائمة على بيئات متكاملة، وحوافز جذابة، واستثمارات ضخمة في البنية التحتية، ومناخ أعمال آمن، وهي مزايا معترف بها على نطاق واسع من قبل المحللين الصينيين.
وبالنسبة للمصنعين الصينيين للإطارات الذين يسعون لتعزيز وجودهم العالمي، يمثل المغرب قيمة استراتيجية فريدة. فهو لا يعد مجرد منصة لتقليص المخاطر التجارية، بل أيضاً نقطة وصول مباشرة إلى الشركات المصنعة الأوروبية وسلاسل الإمداد العالمية الخاصة بهم.
ويختتم التقرير بالإشارة إلى أن صعود المغرب يعيد تشكيل سلاسل الإمداد العالمية في صناعة السيارات بشكل عميق. بالنسبة للمصنعين الإطارات، لم يعد الدخول إلى السوق المغربية مجرد مسألة تكاليف، بل أصبح خياراً استراتيجياً يتيح الاستفادة من بيئة تجارية مواتية، ودعم صناعي محلي، والامتثال للمعايير البيئية. ومن يثبت حضوره أولاً في المغرب، سيحظى بميزة تنافسية حاسمة في السوق الأوروبية.





