المقاربة الحمائية في رسائل لفتيت حول استباحة المال العام

عبد الله النجدي (صحافي متدرب)
لغة الوعيد التي تخللت خطاب وزير الداخلية؛ عبد الوافي لفتيت، لحظة مناقشة الميزانية الفرعية بمجلس النواب، لم تكن لوحدها باعتبارها مجرد مقاربة أمنية تهدف إلى الضبط و المحاسبة الرسالة الوحيدة، بل كان خطاب عبد الوافي الفتيت يختزن مجموعة من الرسائل والمضامين الصريحة والمتضمنة.
علاوة على أنه توعد ناهبي المال العام، في حال أنهم لم يرجعوا عن غيهم بالوصول إلى ما لا تحمد عقباه، من متابعات قانونية وأحكام زجرية. فإن عبد الوافي الفتيت أشار إلى أن سيرورات تكريس أسس الحكامة الجيدة، لا بد لها أن ترتكز على مقاربة حمائية تستهدف المال العام و تنأى به عن كل التجاوزات والخروقات التي تسعى أن تصيّره مالا مستباحا كما يتم وصمه أحيانا ب “المال السايب” .
شدد الوزير على ضرورة عدم تساهل المواطنين عندما يتعلق الأمر بالمطالبة بحقوقهم و تتبع سبل تحصيلها، و حثهم على الاستماثة في ذلك، حيث وصف التراجع عن ذلك كنوع من التعاون مع لصوص المال العام و مساعدتهم على تجاوزاتهم وخروقاتهم.
من منظور سوسيولوجي؛ يحمل خطاب الوزير مجموعة من المعاني و الدلالات، يتعلق الأمر أساسا في جزء كبير منه؛ بمحاولة جادة لطرح أفكار تعتبر عناصر رمزية لثقافة سياسية ديمقراطية.
فالأمر يتعلق بالحكامة الجيدة وأسس تدبير الشأن العام. فعندما يستدمج المواطنون هذه القيم، يصبح الضمير الجمعي لأفراد المجتمع أكثر رفضا وامتعاضا لكل مظاهر الاستغلال الغير المشروع لأملاك الجماعات الترابية.
يبدوا أن استدماج هذه القيم وتكريسها يجعل المسألة متعلقة أساسا بتمثلات و تصورات الأفراد حول طبيعة ممارساتهم وممارسات الغير و طبيعة العلاقة بالمال العام و الحيز المشترك.
لا شك أن تشبع أفراد المجتمع بالأفكار والقيم التي تشكل عناصر الثقافة السياسية الديمقراطية، يساهم في انبثاق اشكال من الرقابة الرمزية والضبط الذاتي.
فالرشوة مثلا قبل أن ينظر إليها من قبل المواطنين؛ على أنها لا تعدوا كونها عملية تفاوضية لتسهيل أمر ما، أو فعلا يتغيّى الحصول على امتياز معين، تصبح مكرسة و مصورة ضمن الضمير الجمعي على أنها انتهاك لحقوق الآخرين و طعنا في مبادئ العيش المشترك.





