المقاهي المتنقلة على الطرق..العشوائية بين الاستهتار بالقانون والمخاطر الصحية

بشرى عطوشي
في السنوات الأخيرة، انتشرت على نحو لافت عربات وسيارات متنقلة لبيع القهوة على امتداد الطرق الوطنية والثانوية بالمغرب. ورغم أن الفكرة تبدو في ظاهرها خدمة سريعة للسائقين والمتنقلين، فإنها في الواقع تحولت إلى معضلة تهدد السلامة الطرقية وتسيء إلى صورة المرفق العمومي وتضرب الاقتصاد المنظم في الصميم.
أول ما يلفت الانتباه هو أن هذه العربات تتسبب يومياً في حوادث سير خطيرة نتيجة التوقف المفاجئ للزبائن على حافة الطريق، في غياب أي مراعاة لشروط السلامة أو تخصيص فضاءات ملائمة للركن. وهكذا يتحول كوب قهوة بثمن بخس إلى ثمن باهظ تدفعه الأسر في أرواح أحبائها وضحايا نزيف الطرق.
إلى جانب ذلك، نجد أن عدداً من مقدمي هذه الخدمة داخل المدن يختارون أماكن بعيدة عن أعين السلطات، حيث يغيب أي احترام لشروط النظافة أو الصحة، ويصبح محيط هذه النقط ملاذاً لفئة من المنحرفين وأصحاب السوابق، مما يحول الفضاء العام إلى بؤر غير آمنة. أما جودة القهوة نفسها فغالباً ما تكون دون المستوى المطلوب، بالنظر إلى الثمن الزهيد الذي يقدَّم به الكوب، وهو ما يضع المستهلك أمام مقايضة بين رخص الثمن وضعف الجودة.
من جانب آخر، يشتكي أرباب المقاهي المرخصة، الذين يلتزمون بدفع الضرائب وتحمل الأعباء القانونية، من المنافسة غير المشروعة لهذه العربات المتنقلة، والتي تستقطب نسبة هامة من الزبناء بفضل غياب التكاليف والالتزامات الضريبية. وبذلك يجد المستثمر المنظم نفسه في مواجهة نزيف مالي غير عادل يهدد استمرارية نشاطه.
غير أن السؤال الجوهري يظل مطروحاً: ما الذي يدفع عدداً متزايداً من السائقين إلى الإقبال على هذه العربات؟ الجواب يكمن في عاملين أساسيين: سرعة الخدمة وتواجدها المباشر على الطريق، بما يجنّب السائق عناء البحث عن مقهى مرخص أو صرف وقت أطول في التوقف. إنها إذن حاجة حقيقية لكن جرى تلبيتها بأسلوب عشوائي وفوضوي.
الحل لا يمر عبر المنع الكلي، بل عبر تنظيم المجال وفق تصور عقلاني. يمكن للسلطات المحلية، بشراكة مع الجماعات الترابية، إحداث فضاءات مهيكلة ومجهزة بمحاذاة الطرق الرئيسية، تخصص لمثل هذه الأنشطة وفق معايير دقيقة تضمن السلامة والجودة. كما يجب إخضاع ممتهني هذا النشاط لتراخيص محددة، تلزمهم باحترام شروط النظافة والأمن، وربطهم بمراقبة دورية.
إن الواجب الموكول للسلطات المحلية يتجسد في فرض القانون، وضبط المجال، وإيجاد صيغة وسطى تحفظ حق المستهلك في خدمة سريعة، وتحمي في الآن نفسه المستثمرين المنظمين من المنافسة غير المشروعة. دون هذا التدخل الحازم، ستبقى ظاهرة “قهوة السيارات” قنبلة موقوتة تهدد حياة المواطنين وتعمق فوضى الاقتصاد غير المهيكل.