المندوبية السامية: ثقة الأسر المغربية في المستقبل تتراجع وسط توقعات بارتفاع البطالة

حسين العياشي
خرجت نتائج الاستبيان الأخير الذي أجراه المندوبية السامية للتخطيط لتكشف عن صورة غامضة، بل وأحيانًا مقلقة، حول وضع الأسر المغربية في مواجهة التحديات الاقتصادية التي تثقل كاهلها. من خلال هذه الدراسة، تبرز معالم حقيقة تزداد وضوحًا: ثقة الأسر في المستقبل المالي لم تَعد كما كانت، والآمال بدأت تتراجع أمام طوفان من القلق الذي يطغى على الساحة.
إذا بدأنا بمؤشر الثقة لدى الأسر، فقد ثبت عند مستوى 53.6 نقطة، وهو ما يعتبر مؤشرًا على حالة من التشاؤم العام. قد يبدو الرقم للوهلة الأولى غير مقلق، لكنه يعكس حالة من اللامبالاة في نفوس الأسر، التي فقدت جزءًا كبيرًا من التفاؤل. فكيف لا وقد شهدت 77.9% من الأسر تدهورًا في مستوى معيشتها خلال الاثني عشر شهرًا الماضية؟ مقابل 5% فقط استطاعت تحسّن وضعها المالي في تلك الفترة.
القلق يزداد أكثر عندما نعلم أن أكثر من نصف الأسر، وبنسبة 51.4%، تتوقع تدهورًا إضافيًا في مستوى المعيشة خلال العام المقبل. بينما تبقى نسبة ضئيلة جدًا (7.1%) من الأسر تتمنى تحسنًا أو استقرارًا في وضعها المالي. الأمر نفسه ينطبق على التوقعات بخصوص سوق العمل، حيث يعتقد 70.5% من الأسر أن البطالة سترتفع في الفترة القادمة، مقابل 14.1% فقط يرون أن الوضع قد يتحسن.
ليس الوضع الاقتصادي وحده هو ما يثير القلق، بل أيضًا انعكاسات ذلك على استهلاك الأسر. ففيما يخص شراء السلع المعمرة، تجد الغالبية العظمى من الأسر (69.4%) أن الوقت الحالي غير مناسب تمامًا للقيام بمثل هذه الاستثمارات. هذه النسبة تعكس بوضوح حالة من الحذر الشديد والتردد الذي يخيم على نوايا الأسر في الإنفاق.
ومع ذلك، يظل الموضوع الأكثر حساسية هو مسألة الإدارة المالية للأسر. فقد أظهرت الدراسة أن 59% من الأسر تكافح فقط لمجاراة النفقات اليومية، حيث يجدون أن دخولهم بالكاد تغطي احتياجاتهم الأساسية. بينما تكشف النسبة الأخرى، التي تبلغ 38.7%، عن أسر مضطرة للاعتماد على الاقتراض أو استخدام مدخراتها لتوفير أبسط ضروريات الحياة. وحين يتعلق الأمر بالادخار، لا يتجاوز 2.3% من الأسر الذين ينجحون في تخصيص جزء من دخلهم للادخار، وهو رقم يعكس واقعًا ماليًا مضطربًا يعصف بالغالبية.
وإذا نظرنا إلى الماضي القريب، نجد أن 50.6% من الأسر قد شهدت تدهورًا في وضعها المالي خلال الاثني عشر شهرًا الماضية، مقارنةً بـ 3.8% فقط الذين تمكنوا من تحسين أوضاعهم. أما المستقبل، فلا يبدو أكثر إشراقًا، حيث لا يتوقع سوى 14.3% من الأسر تحسنًا في وضعهم المالي خلال العام المقبل، بينما يتوقع 24.3% منهم أن يعيشوا تحسنًا طفيفًا أو حتى استقرارًا نسبيًا.
وعلى صعيد الادخار، يكشف التقرير عن واقع مرير، إذ أن 90.4% من الأسر لا يتوقعون أن يتمكنوا من الادخار في الأشهر القادمة. هذا الرقم يحمل في طياته حقيقة أن غالبية الأسر تجد نفسها في وضع صعب، بل يكاد يكون مستحيلاً أن تتمكن من ادخار أي مبلغ وسط هذا الضغط الاقتصادي المتزايد.
وفيما يتعلق بأسعار المواد الغذائية، لم تترك الدراسة مجالًا للشك في أن الأسعار كانت العامل الأكثر تأثيرًا في تراجع القوة الشرائية للمواطنين. فقد أكدت 95.7% من الأسر أن أسعار المواد الغذائية قد شهدت ارتفاعًا حادًا في الأشهر الماضية، في حين أن أقل من 0.2% فقط شعروا بأي انخفاض. أما عن التوقعات المستقبلية، فإن 81.8% من الأسر تتوقع زيادة مستمرة في هذه الأسعار خلال الأشهر المقبلة.
إذاً، مع كل هذه الأرقام التي تعكس تدهورًا مستمرًا في الوضع الاقتصادي، فإن الصورة التي تبرز هي صورة حالة من القلق المتزايد، حيث تخشى الأسر من أن يكون المستقبل القريب أكثر قسوة. ومع تزايد عدد الأسر التي تواجه تحديات اقتصادية يومية، يبدو أن هناك حاجة ملحة لاتخاذ تدابير عاجلة للتخفيف من وطأة هذه الضغوط على الأفراد والعائلات، لتوفير بيئة أكثر استقرارًا وتمكينًا لهم في مواجهة المتغيرات الاقتصادية غير المتوقعة.
إن ما تكشفه هذه الدراسة ليس مجرد أرقام، بل هو تعبير حي عن مشاعر اليأس والتوتر التي تسكن داخل كل أسرة تسعى للنجاة في ظل غموض اقتصادي يزداد تعقيدًا.