
اميمة المغاري: صحافية متدربة
في قلب كل بيت، كانت الأسرة في يوم من الأيام الملجأ، والمكان الذي يلتقي فيه الجميع حول مائدة واحدة، يتشاركون الحديث، الضحك، وأبسط لحظات الحياة التي تحمل عبق المحبة والدفء.
لكن اليوم، لم يعد هذا المشهد سوى ذكرى بعيدة، فقد تبدلت الأدوار، وتبدلت الطرق. لم تعد الأسرة تجمعًا يجمع بين القلوب، بل بات كل فرد فيها سجينًا لشاشة صغيرة تضيء وجهه في عز الظلام.
الهاتف الذكي، ذلك الجهاز الذي وُصف يوماً بأنه جسر يربط الناس ببعضهم، تحول إلى حاجزٍ عازل، يمنع التواصل الحقيقي، ويغرس الفجوة بين أفراد الأسرة.
الآن، كل واحد في البيت، بدل أن ينظر إلى الآخر، يحدق في شاشته، يغوص في فيسبوك، تويتر، إنستغرام، واتساب… يغرق في بحار لا تنتهي من المنشورات، الصور، والقصص التي تأخذ وقتًا أكبر مما يحتاجه الحديث مع من يجلس إلى جانبه.
لماذا يجتمعون؟ وهل يجتمعون أصلًا؟! في السابق، كانت الأسرة تتشارك الأفراح والأحزان، أما اليوم، فيجلس الأب مشغول بالاطلاع على آخر الأخبار والتغريدات بينما الأم تغرق في دردشة صوتية، و الابنة تفتش عن “لايكات” على صورة نشرتها قبل ساعة، ، والابن يلاحق مقاطع الفيديو القصيرة بلا توقف. .
ليس هذا مجرد وصف لظاهرة عابرة، بل هو تدمير ممنهج لعلاقات حقيقية، تواصلاً نابعًا من الحب والاهتمام. لقد غاب صوت الجد الذي يحكي الحكايات، وضحكات الإخوة التي تملأ المكان، وحلّت محلها أصوات الإشعارات والرسائل المتتابعة.
في ظل هذا الطوفان الرقمي، الأسرة تحولت إلى فضاء مشترك يجتمع فيه الأفراد، لكن لا يتواصلون. كل واحد منهم في عالمه الخاص، محاطًا بجدران رقمية تفصل بينه وبين من حوله.
أضحى الهاتف حاجزًا لا يُرى بيننا، جدارًا شفافًا لكنه صلب يحول بين اللحظة الحقيقية والتواصل الإنساني فرقنا إلى كائنات غريبة نلتقي في نفس المكان لكن لا نلتقي في نفس اللحظة. فهل هذه هي “الحداثة” التي نريدها؟ هل هذا هو الثمن الذي ندفعه مقابل “البقاء متصلين”؟!





