الهجرة القروية تواصل تشكيل الخريطة السكانية بالمغرب رغم تباطؤ التنقل الداخلي

إعلام تيفي ـ تقرير

تعد الهجرة القروية نحو المدن من أبرز التحولات السكانية التي لا تزال تطبع المشهد الديموغرافي في المغرب، رغم ما يشهده البلد من محاولات لتحقيق توازن مجالي وتنموي بين مختلف جهاته.

فبحسب تقرير حديث للمندوبية السامية للتخطيط حول الهجرة الداخلية حسب نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، ما تزال المدن الكبرى تستقطب نسبا مهمة من سكان القرى، في مقابل ضعف وتيرة العودة إلى المناطق الأصلية.

وأظهرت معطيات التقرير أن الهجرة القروية–الحضرية تمثل 34.1 في المئة من مجموع التحركات الداخلية، لتؤكد استمرار جاذبية المدن بفعل ما توفره من فرص اقتصادية وخدمات اجتماعية، في حين لا تتجاوز نسبة العودة من المدن إلى القرى 7.2 في المئة، وغالبا ما تكون مرتبطة بالتقاعد أو الاستثمار الفلاحي أو العودة إلى الجذور العائلية.

في المقابل، تبين أن أغلبية المغاربة ما يزالون مستقرين في جماعاتهم الأصلية، حيث يقيم نحو 60 في المئة من السكان في الجماعة التي وُلدوا فيها، مقابل 40 في المئة انتقلوا مرة واحدة على الأقل خلال حياتهم إلى جماعة أخرى داخل التراب الوطني، ما يعكس استمرار ظاهرة الهجرة الداخلية كإحدى السمات السكانية البارزة في البلاد.

كما كشف التقرير عن فروقات نوعية بين الجنسين، إذ تميل النساء إلى التنقل أكثر من الرجال بنسبة 43.7 في المئة مقابل 35.5 في المئة، وهو ما يعكس ديناميات اجتماعية واقتصادية جديدة ترتبط بالزواج والعمل ولمّ شمل الأسر.

ورغم استمرار هذه الحركية، تشير الأرقام إلى تباطؤ وتيرة التنقل الداخلي خلال السنوات الأخيرة، إذ لم تتجاوز نسبة المهاجرين خلال الخمس سنوات السابقة للإحصاء 12 في المئة من السكان، مقابل 20 في المئة خلال العقد الماضي، ما يدل على ميل متزايد نحو الاستقرار الديموغرافي.

على المستوى الجغرافي، تتصدر جهة الدار البيضاء–سطات قائمة الوجهات الأكثر جذباً بأكثر من 3.6 ملايين مهاجر، تليها الرباط–سلا–القنيطرة بـ2.07 مليون، ثم طنجة–تطوان–الحسيمة بـ1.5 مليون، مستفيدة من تمركز الأنشطة الاقتصادية والبنيات الاجتماعية والإدارية.

في المقابل، تعاني الجهات الداخلية مثل مراكش–آسفي، فاس–مكناس، بني ملال–خنيفرة، ودرعة–تافيلالت من عجز ديموغرافي متزايد نتيجة محدودية فرص الشغل وضعف التنمية المحلية.

وفي الجنوب، برزت جهتا العيون–الساقية الحمراء والداخلة–وادي الذهب كنموذجين جديدين لجاذبية الهجرة الداخلية، حيث ساهمت الاستثمارات الكبرى في تعزيز استقرار السكان واستقطاب الوافدين، وسجلت جهة الداخلة أعلى مؤشر فعالية للهجرة على الصعيد الوطني.

وخلص التقرير إلى أن الحركية السكانية في المغرب تعكس نموذجا تنمويا غير متوازن، يتسم بتركز الكثافة الاقتصادية والديموغرافية في عدد محدود من الجهات مقابل نزيف سكاني في أخرى، داعيا إلى تبني سياسات ترابية أكثر عدلا وتوازنا تعزز جاذبية المناطق الداخلية وتدعم التنمية المستدامة في مختلف جهات المملكة.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى