
حسين العياشي
قدّم محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة، رؤية شاملة تعيد وضع ورش مكافحة الفساد في قلب التحولات الوطنية الكبرى، مؤكداً أن النزاهة ليست خياراً تقنياً أو شعاراً مؤسساتياً، بل رهانٌ استراتيجي يهم مستقبل الدولة والمجتمع معاً. وخلال عرض الاستراتيجية الجديدة للهيئة، شدّد على أن نجاح هذا الورش لن يتحقق إلا بتعبئة جماعية تشمل الحكومة والسلطة القضائية المستقلة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والإعلام، إلى جانب المواطنين الذين يشكلون الحلقة الجوهرية في معادلة الشفافية من خلال يقظتهم ومطالبتهم بالمحاسبة.
وفي عرضه لمرتكزات الاستراتيجية الجديدة، أوضح بنعليلو أن الوثيقة ليست مجرد مخطط إداري، بل تجسيد عملي للتوجيهات الملكية الرامية إلى تعزيز حكامة الدولة وإضفاء دينامية مؤسساتية جديدة تواكب الأوراش الوطنية والإصلاحات الكبرى. واعتبر أن اللحظة الراهنة تفرض إعادة تحديد موقع الهيئة كسلطة معيارية وتوجيهية، وأن المطلوب اليوم هو الانتقال من التعامل مع النزاهة كشعار أخلاقي إلى جعلها ممارسة قابلة للقياس، تعيد بناء علاقة المواطن بالمؤسسات على أساس الثقة والوضوح والمصداقية، باعتبارها رأس مال مؤسساتياً لا غنى عنه لاستدامة الأداء العمومي.
وأشار إلى أن مكافحة الفساد ليست ملفاً قطاعياً يمكن عزله أو التعامل معه كحالة تقنية، بل هي معركة مجتمعية تتعلق بجودة النموذج التنموي الجديد وعدالته وفعاليته. وأكد أن اقتصاداً منتجاً وعدالة اجتماعية منصفة لا يمكن أن يزدهرا في بيئة يتغلغل فيها استغلال النفوذ والانحراف عن الصالح العام والإفلات من المساءلة، ما يجعل من النزاهة شرطاً أساسياً لبناء دولة قوية ومجتمع واثق في مؤسساته.
وتوقف بنعليلو عند أهداف المرحلة المقبلة، موضحاً أن الهيئة تتجه نحو تجاوز تجميع المبادرات المتناثرة لصالح بناء منظومة وطنية متكاملة للنزاهة العمومية، تجعل من النزاهة خياراً معلناً ومشروعاً وطنياً تشارك فيه كل القوى الحية. كما أكد أن دور الهيئة لا يقتصر على الرقابة الخارجية، بل يقوم على القيادة من الداخل، عبر المبادرة والتوجيه والتنسيق والتقييم وخلق فضاء وطني لتقاطع الجهود، في انسجام تام مع الدستور والالتزامات الدولية وقيم العدالة والإنصاف.
وتحدث عن رؤية 2030 بوصفها لحظة تحول مؤسسي وثقافي عميق، هدفه جعل النزاهة رافعة لبناء الدولة الاجتماعية وتعزيز الثقة باعتبارها أساس الاستثمار والتنمية. واعتبر أن المطلوب اليوم هو تحويل العلاقة بين المواطن والمرفق العام من علاقة شك وتوجس إلى علاقة ثقة متبادلة ومستدامة.
وختم بنعليلو بالتأكيد على أن الاستراتيجية الجديدة لن تأخذ مفعولها إلا بقدر التزام المؤسسات، وقوة المجتمع المدني والإعلام، وحيوية مبادرة المواطن، حتى تتحول من وثيقة موجهة إلى ممارسة ملموسة تُحدث أثراً حقيقياً في حياة الناس.





