اليماني.. التغطية الصحية تتخبط بين خطاب الدولة الاجتماعية ومرآة الواقع المعكوس

حسين العياشي
رغم أن شعار الدولة الاجتماعية أصبح حاضراً في كل الخطابات الرسمية، يرافقه تأكيد الحكومة على تعميم التغطية الصحية لتشمل جميع المغاربة، إلا أن الواقع لا يزال يعكس صورة مغايرة، حيث ما زالت فئات واسعة من المواطنين خارج دائرة الاستفادة الفعلية من هذا الورش الوطني، ليس فقط بسبب صعوبات في الولوج إلى المنظومة الصحية، بل أساساً بسبب ضعف التعويضات التي لا تتجاوز في غالب الأحيان 50 في المئة من المصاريف المدفوعة، في وقت أصبحت فيه القدرة الشرائية للمواطنين تتآكل أمام موجة غلاء غير مسبوقة في أسعار الأدوية والعلاجات.
الناشط النقابي الحسين اليماني، يرى أن السبب الجوهري لهذا الضعف يكمن في تجميد التعرفة المرجعية الوطنية منذ سنة 2005، والتي لا تزال تحدد ثمن زيارة الطبيب العام في 70 درهماً، وهو رقم لم يعد يعكس الواقع الحقيقي للسوق الصحي في المغرب، والذي تشهد فيه تكاليف العلاجات والفحوصات ارتفاعاً مضطرداً.
ويشير اليماني، إلى أن الحكومة تتعمد تجاهل قرار مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الصادر في نهاية سنة 2019، والذي ينص صراحة على ضرورة مراجعة هذه التعرفة ورفع نسب التعويضات، مبرزاً أن هذا القرار قانونياً يعتبر نافذاً في غياب أي اعتراض رسمي عليه داخل الآجال القانونية، وهو ما لم يتم، مما يطرح سؤالاً حول الجهات التي تعرقل تفعيل هذا القرار الاستراتيجي.
من جهتهم، يعتبر الفاعلون في قطاع الصحة أن هزالة التعويضات لا تعود فقط إلى التعرفة المرجعية المجمدة، بل تتعلق أيضاً بما يصفونه ب”هوامش الربح الخيالية” التي تطبع أثمنة الأدوية في المغرب.
ويؤكد هؤلاء أن المواطن لا يتحمل وحده كلفة هذا الغلاء، بل إن ميزانية الدولة نفسها تُستنزف سنوياً بسبب ارتفاع تعويضات الأدوية. ولفتوا إلى أن الفارق في الأثمنة بين الأدوية في الصيدليات المغربية، ونظيرها في بعض الدول الأخرى قد تصل إلى أكثر من 300 بالمئة، وهو ما جعل وزارة الصحة، وفق تعبيرهم، تنخرط في سلسلة من التدابير الرامية إلى تخفيض هذه الكلفة، من بينها تقليص الضريبة على الأدوية وتنظيم اجتماعات متتالية مع الصيادلة وممثلي قطاع الأدوية للوصول إلى توافقات تسمح بمراجعة الأثمنة، في أفق جعلها في متناول المواطن العادي.
وبينما تؤكد وزارة الصحة أنها تعمل على إصلاح المنظومة القانونية المرتبطة بالحماية الاجتماعية وتحديث آلياتها، لا يزال المرتفقون يتلقون تعويضاتهم وفق تعريفات قديمة تعود إلى سنوات الثمانينات في بعض الحالات، وهو ما يفقد منظومة التغطية الصحية معناها الحقيقي كأداة لحماية المواطن من تكاليف المرض.
وفي هذا الإطار، أكد المراقبون أن تحقيق أهداف هذا الورش الملكي يظل رهيناً باتخاذ قرارات سياسية جريئة تكرّس مصلحة المواطن كأولوية، وتعيد ضبط التوازن مع مصالح الفاعلين الاقتصاديين، مع ضرورة كبح التوسع المفرط لهؤلاء داخل المنظومة الصحية الوطنية.




