الاستحقاقات التشريعية المقبلة بالمغرب بين المصالحة السياسية والعزوف الانتخابي

بقلم د محمد شقير
تكتسي انتخابات 2026 أهمية خاصة في التاريخ السياسي والانتخابي للمملكة . إذ أن هذه الاستحقاقات القادة لا ترتبط فقط برهانات سياسية داخلية، بل ترتبط أيضا برهانات خارجية، بحكم أن دولا كثيرة ستكون متابعة لكل ما يجري بالمغرب، إضافة إلى المحافل الدولية والمنظمات بما فيها “الفيفا”” التي ستتابع تحضيرات واستعدادات المملكة المغربية للمونديال والتي تتطلب الجودة في العمل خاصة وأنها ستكون ضمن استعدادات كل من البرتغال واسبانيا المشاركتين في تنظيم هذه التظاهرة الرياضية والكروية العالمية التي ستخلد الذكرى المئوية لهذه التظاهرة .
من هنا انصب الاهتمام الرسمي ليس فقط على ضرورة الاعداد الانتخابي الجيد لتنظيم هذه الانتخابات بل أيضا تحقيق مشاركة انتخابية لا يعتورها أي عزوف قد يمس بشرعية وأهمية هذه الانتخابات.
1-الاعداد الجيد لتنظيم انتخابات 2026
بمناسبة تخليد الذكرى 26 لتولي الملك محمد السادس العرش ، خصص العاهل المغربي جزءا من خطابه لحسن تنظيم الانتخابات التشريعية المقبلة في موعدها الدستوري والقانوني العادي، مؤكدا على ضرورة توفير المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب، وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية السنة الحالية.
في حين تم تكليف وزير الداخلية بالسهر على التنظيم الجيد للانتخابات التشريعية، وفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين في سابقة سياسية خاصة. حيث أن رئيس الحكومة هو الذي كان يتولى الإشراف على إعداد مدونة الانتخابات في الانتخابات التشريعية السابقة، وبالتالي فإن تكليف وزير الداخلية بالإشراف على هذه العملية يرتبط أساسا بمحاولة إبعاد أي خلط فيما يتعلق بإعداد الانتخابات القادمة باعتبار أن رئيس الحكومة هو في الوقت نفسه رئيس حزب والمنطق السياسي يقتضي ألاّ يشرف على هذه الاستحقاقات.
وتنزيلا للتوجيهات الملكية الواردة في خطاب العرش، ترأس وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت بعد يومين بعد الخطاب الملكي اجتماعين متواليين مع قادة كافة الأحزاب السياسية خصصا لموضوع تحضير الانتخابات التشريعية المتعلقة بانتخاب أعضاء مجلس النواب لسنة 2026. وطلب مقترحات الأحزاب السياسية بشأن الإطار المنظم للانتخابات التشريعية لسنة 2026 قبل نهاية شهر غشت 2025، على أساس أن يتم التباحث والتشاور فيها قبل عرضها على الولاية المقبلة للبرلمان التي يفتتحها الملك، وذلك بهدف الإعداد الجيد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة والتي ستتميز في التاريخ السياسي والانتخابي بالمغرب بكونها ستفرز بما يسمى بـ”حكومة المونديال”، باعتبار أن المغرب سينظم كأس العالم لكرة القدم لأول مرة.
وفي هذا السياق دعا وزير الداخلية قادة الأحزاب السياسية مباشرة بعد الاجتماعين اللذين عقدهما معهم، إلى التداول بشأن أرضية سياسية من سبع نقاط ، ستقوم عليها مدونة الانتخابات الجديدة حيث تم فيها التركيز على كل الاختلالات التي عرفتها الانتخابات السابقة والعمل على هدفين أساسيين، وهما استرجاع الثقة في العملية الانتخابية بعد توالي العزوف عنها، وفي الوقت نفسه العمل على إفراز نخبة كفأة ونزيهة لتجاوز كل الاختلالات التي عرفتها الولاية الحالية والتي جرى خلالها ملاحقة العديد من المنتخبين، الوطنيين منهم والمحليين. إذ أن الانتخابات التشريعية لسنة 2026 تتزامن مع أوراش كبرى مفتوحة في إطار التحضير لكأس العالم 2030، والتي تتطلب كفاءات عليا تكون في مستوى هذه المرحلة،
2– انتخابات 2026 وضمان شفافية العملية الانتخابية
دأب رئيس الحكومة في الولايتين السابقتين، على الإشراف المباشر على المشاورات السياسية المتعلقة بالقوانين الانتخابية، باعتباره الفاعل المؤسساتي الذي يقود الأغلبية الحكومية. لكن في أفق انتخابات 2026، أُسندت هذه المهمة إلى وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت.
وهكذا يبدو أن التكليف الملكي لوزير الداخلية بالاشراف على المشاورات المتعلقة بالاستحقاقات الانتخابية لسنة 2026، تنم عن رغبة وإرادة ملكية في أن تكون العملية الانتخابية المقبلة عملية شفافة ونزيهة وأن تؤطر الاستحقاقات التشريعية المقبلة بمدونة انتخابية شفافة ونزيهة بما يسمح بإفراز نخبة سياسية مؤهلة لتنزيل الأوراش الكبرى.
فهناك رغبة ملكية واضحة في أن تكون العملية الانتخابية المقبلة عملية شفافة ونزيهة، حيث تم التأكيد على ضرورة أن تحظى هذه العملية بشرعية سياسية وشفافية شاملة . خاصة و أن العملية الانتخابية القادمة تكتسي طابعاً خاصاً، لأنها ستكون أول انتخابات تفرز ما يُصطلح عليه بـ”حكومة المونديال” بالنظر إلى أن المغرب يستعد لتنظيم نهائيات كأس العالم، وهذه التظاهرة ليست مجرد حدث رياضي أو كروي، بل هي تظاهرة ذات رهانات سياسية ودولية كبيرة،
–إفراز نخب كفؤة و نزيهة
قدم وزير الداخلية تصور الوزارة لمراجعة المنظومة الانتخابية، خلال اللقاء الذي دام زهاء ساعة ونصف، من خلال سبعة أهداف رئيسية، مؤكدا أن هذا التصور يظل مفتوحا على اقتراحات الأحزاب في إطار حوار مسؤول وصريح.
وتتعلق هذه الأهداف بتحيين اللوائح الانتخابية العامة، وتحديد الآليات والإجراءات الكفيلة بتخليق العملية الانتخابية وجزر التجاوزات، واتخاذ التدابير العامة المساعدة على تحفيز المشاركة القوية، وعقلنة المشهد السياسي وتحفيزه من خلال مراجعة بعض بنوذ القانون التنظيمي المرتبطة بالتمويل العمومي، ورفع جاذبية العمل السياسي بصفة عامة.
كما تشمل هذه الأهداف السبعة، رفع فرص ولوج النساء والشباب داخل المشهد السياسي وتقوية حضورهم، وتطوير أساليب الإعلام العمومي والأساليب التواصلية الحديثة، وأخيرا تحديد الجدولة الزمنية والتنظيم المادي واللوجيستيكي لتنظيم الانتخابات.
ويبدو أن تسطير الوزارة لهذه الأهداف يتغيا تحقيق غايتين رئيسيتين : الأولى تتمثل في أن تتم العملية الانتخابية المقبلة بشكل شفاف، بما يؤدي إلى استعادة الثقة في العملية الانتخابية، ومن ثم تعزيز المشاركة السياسية في هذا الاستحقاق المقبل وهو الهدف الأساسي الأول الذي تقف خلفه هذه الإجراءات.كما تسعى هذه الأهداف إلى محاولة إعادة التوازن إلى المشهد السياسي بعد مرحلة من “التغول السياسي” التي انتقدتها مكونات المعارضة بكل أطيافها بعدما تجمعت ثلاث أحزاب متصدرة لانتخابات 2021 في ائتلاف حكومي قوي عدديا .
وبالتالي ، فهناك رغبة في تحقيق نوع من التوازن السياسي وتجاوز ذلك التغوّل الذي خلّف آثاراً سلبية، خاصة في طريقة التعامل مع بعض أطياف المعارضة. أما الغاية الثانية، فقد استهدفت العمل على إفراز نخبة سياسية نزيهة وكفؤة، تعيد الاعتبار للنخبة السياسية ، بعد أن شهد المشهد السياسي تورط عدد من المنتخبين، سواء برلمانيين أو جماعيين، في قضايا واختلالات مختلفة، حيث أُدين بعضهم فيما لا يزال آخرون قيد المتابعة القضائية .
لذا فيبدو أن الغرض من بلورة مدونة جديدة لهذه الانتخابات ، هو دفع الأحزاب السياسية إلى اختيار نخب تتسم بالنزاهة والكفاءة، وتجنب تكرار تلك الممارسات المرتبطة بسوء التدبير والاختلاسات، من خلا هذه الأوراش الكبرى التي شرع في إنجازها استعدادا للمونديال والقيام بإصلاحات هيكلية تهم قطاعات حيوية كالتعليم والحماية الاجتماعية المرتبطة بتأهيل قطاع الصحة .