انخفاض معدل الخصوبة في المغرب.. التحديات والتأثيرات على المجتمع والاقتصاد

خديجة بنيس: صحافية متدربة
يعرف المجتمع المغربي انخفاضا في معدل الخصوبة، الأمر الذي يعكس تحولات عميقة في السلوكيات الاجتماعية والاقتصادية، وتعزى هذه الظاهرة إلى تغيرات في تفكير الأفراد الذي أصبح يركز بشكل كبير على إثبات الذات وتحقيق النجاح المهني والاقتصادي، مما يؤدي إلى تأخير الزواج وبالتالي انخفاض معدل الخصوبة، هذا التحول يعكس تحديات كبيرة تواجه المجتمعات اليوم، حيث يؤثر على هيكل الأسرة والديناميكيات الاجتماعية والاقتصادية بشكل شامل.
وارتباطا بالموضوع قال محسن بن زاكور المتخصص في علم النفس الاجتماعي في تصريح خص به موقع “إعلام تيفي” إن ظاهرة الخصوبة هي ظاهرة المجتمع الليبرالي بامتياز، مشيرا إلى أن الحديث عن انخفاض معدل الخصوبة شيء أساسي وجوهري ليس فقط بالنسبة للمجتمع المغربي، بل إن هذا الأمر تعيشه أيضا اليابان والصين رغم أن لها ما يفوق مليار300 مليون نسمة.
وعزى بن زاكور هذا الانخفاض إلى كون تفكير الإنسان اليوم أصبح كله منصب على إثبات الذات على العمل وعلى رفاهية العيش، مشيرا إلى أن هذه العوامل ستفضي أكيد إلى تأخر الزواج وإذا تأخر الزواج، فإن نسبة الخصوبة ستنخفض بالضرورة.
وأضاف أن معدل سن الزواج في المجتمع المغربي اليوم عند المرأة ما بين 30و 33 سنة، والسن الذي لا تستطيع المرأة بعده الإنجاب هوما بين 40 و45 سنة، أي أن المدة الزمنية الفاصلة بين الزواج وعدم القدرة على الإنجاب ضيقة جدا وبالتالي فإن إمكانية ولادة أكثر من طفل ضئيلة جدا.
وأبرز أستاذ علم النفس الاجتماعي بأن الأمر لا يتعلق فقط بالمرأة، بل إن الرجل هو الآخر له رغبة في إثبات الذات والحصول على عمل يرضي طموحاته، بعد تحصيل علمي عالي يستغرق مدة طويلة، وفي ظل طول مدة الدراسة فإنه سيتأخر في الحصول على عمل يسمح له بفتح بيت الزوجية. وبالتالي فإن كل هذه التمثلات من شأنها أن تنعكس بشكل مباشر على معدل الخصوبة في المجتمع.

وفي السياق ذاته سجل بن زاكور بأن المجتمع المغربي شهد تحولات اقتصادية مهمة، يصاحبها ارتفاع مستمر في نسبة البطالة، تحولات جعلت إمكانية فتح بيت الزوجية قادرة على إنجاب الأطفال وتربيتهم في ظروف عيش كريمة صعبة جدا، لذلك كثيرا ما نجد شباب لديهم رغبة في الزواج لكن لا رغبة لهم في الإنجاب.
كلها معطيات تساهم بشكل مباشر في انخفاض معدل الخصوبة في مجتمعنا، هذا الانخفاض له تداعيات تمس جميع المستويات الحياتية؛ فمن الناحية الديموغرافية يشر بن زاكور بأن هذا الانخفاض يؤدي إلى توسع القمة وضيق السفح على مستوى الهرم السكاني، بمعنى أننا نسير في اتجاه مجتمع غالبية سكانه شيوخ وهذا أمر سينعكس على الفئة النشيطة في المجتمع وسيترتب عنه انعكاسات على صندوق التقاعد.
يضيف المتحدث أن هناك أيضا تحديات على المستوى السياسي فيما يخص تراجع الفئة العمرية الشابة بالنسبة للمجتمع المغربي، خاصة وأن المغرب يسير في مسار التقدم، وبالتالي فإنه يحتاج إلى الطاقات الشابة وإلى السواعد الشابة للعمل والتفكير والإبداع للمضي قدما بالبلاد على الأمام وتحقيق الرخاء والتنمية المنشودة.
على المستوى الاجتماعي هذا الانخفاض سيولد نموذج من العلاقات يختلف عن النموذج الذي كان سائدا في المجتمع المغربي، خاصة فيما يتعلق بالأسرة بمفهومها النووي كزوج وزوجة وأبناء. يضيف محسن بن زاكور بأن مفهوم الأسرة النووية بهذه الصورة التقليدية سيتراجع لحساب أسرة من نموذج آخر خصوصا وأن الفئة التي لا ترغب في الزواج ستكون هي السائدة في المجتمع.





