
فاطمة الزهراء ايت ناصر
خلفت الفيضانات المميتة التي شهدتها مدينة آسفي خسائر بشرية ومادية جسيمة، بعدما جرفت السيول أحياء بأكملها، وتسببت في انهيار منازل، وتخريب محلات تجارية، وإتلاف البنيات التحتية، إلى جانب انقطاع الطرق وتعليق الدراسة بعدد من المؤسسات التعليمية، ما أدخل المدينة في حالة شلل شبه تام.
وأمام هول الكارثة، ارتفعت تساؤلات المواطنين: هل سيتم تفعيل صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية؟ أم أن ما وقع بآسفي سيلقى المصير نفسه الذي عرفته فيضانات مناطق أخرى، خصوصا بالجنوب الشرقي؟
اللافت، في خضم هذه المأساة، هو غياب أي تفاعل رسمي من أعلى مستوى في السلطة التنفيذية، إذ لم يصدر أي بلاغ أو تدوينة عن رئيس الحكومة عزيز أخنوش خلال الواقعة، للترحم على أرواح الضحايا أو إعلان تدابير استعجالية، وهو ما زاد من حدة الاحتقان والقلق لدى الساكنة.
من الناحية القانونية، فإن تفعيل آليات التعويض يظل رهينا بقرار سياسي صريح. فالقانون رقم 110.14 المتعلق بإحداث نظام لتغطية عواقب الوقائع الكارثية، الصادر سنة 2016 ودخل حيز التنفيذ سنة 2020، ينص بشكل واضح على أنه لا يمكن اعتبار أي حادثة كارثة تستوجب التعويض، إلا بصدور قرار عن رئيس الحكومة.
ويلزم القانون رئيس الحكومة بإصدار هذا القرار داخل أجل لا يتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ وقوع الحادثة، على أن يتضمن تحديد طبيعة الكارثة، والمناطق المتضررة، وتاريخ الواقعة ومدتها، مع نشر القرار في الجريدة الرسمية.
ويعرف القانون الكارثة بكونها حادثة ناتجة عن عامل طبيعي ذي حدة غير عادية، تتسبب في أضرار مباشرة، وتتسم بعنصر المفاجأة أو صعوبة التوقع، مثل الأمطار الغزيرة التي تتحول إلى فيضانات جارفة، وهو توصيف ينطبق، في مجمله، على ما شهدته مدينة آسفي.
ويحدد القانون 110.14 أنواع الوقائع التي يمكن تصنيفها ضمن الكوارث، ومن بينها الفيضانات بمختلف أشكالها، كالسيلان السطحي، وفيضان المجاري المائية، وارتفاع منسوب المياه الجوفية، وانهيار السدود بفعل ظواهر طبيعية، والتدفقات الطينية، إضافة إلى الزلازل وارتفاع المد البحري، وحتى الأفعال الإرهابية والاضطرابات الشعبية متى شكلت خطرا جسيما على العموم.
وبعد صدور قرار رئيس الحكومة ونشره في الجريدة الرسمية، تنطلق عملية تقييد المتضررين في سجل تعداد ضحايا الوقائع الكارثية، ليتم بعدها تفعيل مساطر التعويض.
ويقوم نظام التعويض على شقين أساسيين؛ الأول تأميني، يهم الأشخاص الذين يتوفرون على عقود تأمين، حيث تتكفل شركات التأمين بتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بمساكنهم وممتلكاتهم، وفق الشروط المنصوص عليها في وثائق التأمين.
أما الشق الثاني، وهو التضامني، فيهم الأشخاص غير المؤمنين، ويتكفل به صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية، الذي يمنح إعانات مالية مباشرة لمساعدة المتضررين على التعافي والعودة إلى حياتهم الطبيعية.
ويستفيد من هذا الصندوق الأشخاص الذين تعرضوا لأضرار بدنية مباشرة، بمن فيهم المشاركون في عمليات الإنقاذ والإغاثة واستتباب الأمن، أو ذوو حقوقهم في حالة الوفاة، كما تشمل التعويضات الأسر التي أصبح مسكنها الرئيسي غير صالح للسكن بسبب الكارثة.
ويمول الصندوق من اعتمادات مالية سنوية تحول إليه بموجب قانون المالية، إضافة إلى رسم تضامني بنسبة 1 في المائة مفروض على أغلب عقود التأمين، مع تحديد سقف للتعويضات لا يتجاوز ثلاثة مليارات درهم عن كل كارثة، وتسعة مليارات درهم سنويا عن مجموع الكوارث.
بعيدا عن النصوص القانونية، يرى متابعون أن مدينة آسفي لا تحتاج فقط إلى تدخل ظرفي مرتبط بالكوارث الطبيعية، بل إلى مقاربة شمولية تقتضي تصنيفها مدينة منكوبة، بالنظر إلى هشاشة بنيتها التحتية وتكرار الأضرار التي تتعرض لها مع كل تساقطات مطرية قوية.
وبين انتظار قرار رسمي لتصنيف ما حدث ككارثة طبيعية، وترقب تفعيل آليات التعويض، يبقى السؤال مفتوحا: هل ستتعامل الحكومة مع فيضانات آسفي بما تفرضه جسامة الحدث، أم أن الضحايا سيجدون أنفسهم مرة أخرى في مواجهة النسيان؟





