بعد فاجعة فاس.. شبح “الآيلة للسقوط” يطارد مدن الشمال

حسين العياشي

أعادت فاجعة انهيار عمارتين بمدينة فاس، بما خلّفته من ضحايا وجرحى، ملفّ البنايات الآيلة للسقوط إلى صدارة الانشغال العام، ليس في فاس وحدها، بل في مدن أخرى تعيش الخطر نفسه بصمت ثقيل. ففي عدد من مدن جهة طنجة تطوان الحسيمة، يتواصل قلق السكان من تشققات تتسع يوما بعد يوم، ومن مظاهر إهمال واضحة لأعمال الصيانة، خصوصا بتطوان والمضيق ووزان والعرائش، في مشهد يكشف تعثر معالجة هذا الملف وتباطؤ التفاعل مع التحذيرات المتكررة، رغم ما ينطوي عليه من تهديد مباشر لسلامة المواطنين.

مصادر متطابقة أفادت بأن المعارضة بالمجلس الجماعي لتطوان كانت قد نبّهت، في أكثر من مناسبة، إلى خطورة بنايات متهالكة داخل النفوذ الحضري، ودعت إلى التعامل مع ملفاتها بشكل منفصل بدل إدراجها ضمن معالجة عامة تُفقدها الاستعجال، مع تسريع الإجراءات القانونية حيث يلزم. وتؤكد المصادر أن المسؤولية الأولى في الصيانة أو الهدم تقع على عاتق الملاك، غير أن دور الجماعات الترابية واللجان المختصة يظل حاسما في المراقبة والمعاينة وتتبع التنفيذ، حتى لا تتحول النصوص إلى مجرد توصيات معلّقة على أبواب المكاتب.

وفي الفنيدق، يتجسد الخطر في بناية آيلة للسقوط بشارع محمد الخامس، ما تزال تُقلق الساكنة وتُهدد سلامة المارة، رغم تواتر الشكايات واتخاذ تدابير احترازية وُصفت بالمحدودة، قبل أن يجري التراجع عنها دون أن تُستبدل بحلول عملية تُنهي حالة الترقب. هناك، كما في غيرها من النقاط الحساسة، يبدو أن الزمن وحده هو الذي يتحرك، بينما تتأخر القرارات التي يفترض أن تسبق الكارثة لا أن تأتي بعدها.

وتزيد الظروف المناخية من هشاشة الوضع. فقد أشارت المصادر نفسها إلى أن الأمطار الغزيرة التي شهدتها تطوان خلال فترات سابقة تسببت في انهيار شرفات بعدد من الأحياء، في مؤشر واضح على أن بعض البنايات لم تعد تحتمل مزيدا من الضغط أو الإهمال. وهو ما يرفع الحاجة إلى تحديد “النقط السوداء” بدقة، وإلزام المعنيين بإصلاحات مستعجلة، لا سيما في البنايات القديمة التي تُجرى داخلها أحيانا إصلاحات جزئية لا تراعي التدعيم الخارجي ولا تحترم شروط السلامة، فتبدو واجهاتها صامدة ظاهريا، بينما ينخرها الضعف من الداخل.

وفي طنجة، عاد الملف بدوره إلى الواجهة مع تصاعد مطالب السكان بتدخل عاجل من مصالح المقاطعات، خاصة بالمناطق القديمة المعروفة بارتفاع الرطوبة وتآكل بعض البنايات فيها، حيث يكفي شرخ صغير أو تسرب بسيط ليصبح الحي كله على موعد مع احتمالات الانهيار. ورغم المصادقة في وقت سابق على برامج لمعالجة الظاهرة، تقول الساكنة إنها لم تجد طريقها إلى التنفيذ، ما ضاعف المخاوف وفتح الباب أمام أسئلة محرجة حول أسباب التعثر، في وقت تتعالى فيه الدعوات إلى إحصاء شامل للمنازل الآيلة للسقوط وتفعيل حلول استعجالية قبل أن يتكرر سيناريو فاس في مدن أخرى.

وبين الشكايات المتكررة والانتظار الطويل، يحمّل مواطنون المجالس الجماعية مسؤولية استمرار هذا الوضع، معتبرين أن ما يقع ليس مجرد نقص في الإمكانيات بقدر ما هو غياب للإرادة والحزم في التدخل. ففي أحياء عتيقة بعاصمة البوغاز، أصبح الخوف من الانهيار هاجسا يوميا يرافق السكان في بيوتهم وأزقتهم، ويُهدد الأرواح والممتلكات، بينما لا تزال المعالجة تتحرك ببطء لا يوازي سرعة التشققات ولا حجم الخطر الذي يتقدم بصمت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى