بنسعيد يعلن عن قانون جديد لتنظيم الفضاء الرقمي وحماية المغاربة من مخاطر المنصات
تنظيم الفضاء الرقمي وحماية المغاربة من مخاطر المنصات

ل.شفيق-اعلام تيفي
في خطوة تشريعية غير مسبوقة تهدف إلى ضبط الفضاء الرقمي وتعزيز السيادة الرقمية للمملكة، كشف وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد مهدي بنسعيد، عن توجه الحكومة نحو إعداد إطار قانوني وطني شامل لتقنين عمل منصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية، بما يضمن حماية المجتمع المغربي دون المساس بحرية التعبير.
وأوضح بنسعيد، خلال عرضه أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، يوم الأربعاء، أن التحولات السريعة التي شهدها العالم خلال العقدين الأخيرين في مجال الإعلام والتواصل الرقمي، أفرزت تحديات كبيرة، أبرزها التأثيرات السلبية للمحتوى الرقمي، خاصة على فئة القاصرين والشباب، من خلال انتشار العنف، الانحرافات السلوكية، الأخبار الزائفة، والإشهارات غير الملائمة، إضافة إلى تهديد الخصوصية والاستغلال الجنسي والتجاري.
فراغ تشريعي واستغلال المنصات الأجنبية
وأكد الوزير أن هذا الواقع الرقمي المتغير أصبح يتطلب تدخلاً تشريعياً عاجلاً، خاصة في ظل استفادة المنصات الأجنبية من فراغ قانوني يسمح لها بالعمل بحرية خارج نطاق الرقابة الوطنية، مما يشكل تهديدًا لتماسك النسيج المجتمعي.
وأضاف أن الوزارة تعمل على إعداد مشروع قانون وطني متكامل يهدف إلى تنظيم المحتوى الرقمي، وتحميل المنصات والفاعلين الرقميين مسؤوليات قانونية واضحة، مع تمكين الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري من صلاحيات موسعة لضبط هذا المجال، ضمن رؤية تقوم على ثلاث ركائز: حرية التعبير، حماية الجمهور، والعدالة الرقمية.
دروس من التجربة الأوروبية
واعتبر بنسعيد أن التجربة الأوروبية، خاصة قانون الخدمات الرقمية (DSA) الذي دخل حيز التنفيذ عام 2023، تمثل نموذجًا مرجعيًا في هذا المجال. ويُلزم هذا القانون المنصات الرقمية الكبرى باحترام مبادئ الشفافية، وحماية المستخدمين من المضامين الضارة، خاصة القاصرين، ويمنح الهيئات التنظيمية صلاحيات واسعة لفرض العقوبات عند الإخلال بالواجبات القانونية.
وتسعى الحكومة المغربية إلى استلهام هذه التجربة، من خلال وضع تعريف قانوني دقيق لمنصات مشاركة المحتوى، وإلزامها بتعيين ممثل قانوني داخل التراب الوطني يكون مسؤولًا مباشراً أمام السلطات، ويضمن التعاون في حالات الخرق أو الامتناع عن الالتزام بالقانون.
آليات للرقابة وحماية القاصرين
يشمل مشروع القانون الجديد آليات متقدمة لتعديل المحتوى، تعتمد على خوارزميات لرصد المضامين غير القانونية كالعنف والكراهية والأخبار الكاذبة، مع توفير أدوات فعالة للتبليغ من قبل المستخدمين. كما يفرض على المنصات الرقمية اتخاذ إجراءات حمائية للقاصرين، من خلال تصنيف المحتويات حسب الفئات العمرية، وتفعيل الرقابة الأبوية، ومنع الإعلانات التي تستغل ضعف هذه الفئة أو تروج لمنتجات ضارة.
وأكد الوزير أن هذه التدابير تندرج في إطار ترسيخ مسؤولية وقائية للمنصات، تسعى إلى التدخل الاستباقي لحماية الفئات الهشة من الآثار السلبية للمحتوى الرقمي.
التحكم في الأخبار الزائفة والتمويل غير الشفاف
ومن بين النقاط الجوهرية التي يتضمنها الإطار القانوني الجديد، فرض التزام المنصات بالتصدي الفوري للأخبار الزائفة والمحتويات المحرضة على العنف أو التمييز، والتعاون مع الهيئة العليا للاتصال في تنفيذ قرارات الحجب أو التقييد، مع حظر أي محتوى دعائي يخفي طبيعته أو يهدف للتضليل.
كما يلزم القانون المنصات الأجنبية، التي تحقق أرباحًا من السوق الإشهاري المغربي، بالإفصاح عن مداخيلها وتقديم تصريحات ضريبية شفافة، والتعاون مع المؤسسات المالية الوطنية، كمديرية الضرائب وبنك المغرب ومكتب الصرف.
الهيئة العليا للاتصال في قلب المنظومة
يمنح المشروع الجديد دورًا مركزيًا للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، عبر توسيع صلاحياتها لمراقبة نشاط المنصات، حتى في حال عدم توفرها على مقر مادي داخل البلاد، بشرط أن تستهدف المحتوى المعروض الجمهور المغربي.
وسيكون بإمكان الهيئة مطالبة المنصات الرقمية، من خلال ممثليها القانونيين، بتقارير دورية حول أنظمة تعديل المحتوى وآليات التفاعل مع شكايات المستخدمين، ما يتيح تتبعًا فعالًا للأنشطة الرقمية المؤثرة داخل المملكة.
نحو سيادة رقمية وطنية
واختتم بنسعيد مداخلته بالتأكيد على أن الوزارة واعية بحجم التحديات التي يفرضها العصر الرقمي، خاصة من حيث الأخبار الزائفة والمضامين الخطيرة، وتعمل بشكل متواصل على تطوير التشريعات ورفع مستوى الوعي الرقمي داخل المجتمع، من أجل إرساء فضاء إعلامي آمن، عادل، ومنظم، يعكس القيم المجتمعية ويحفظ حقوق جميع الفئات.