بوحوث ل”إعلام تيفي”:”مشاريع تافلالت تحتاج الى ربط المسؤولية بالمحاسبة”

فاطمة الزهراء ايت ناصر
وقّعت سنة 2022 اتفاقية طموحة لتنمية القطاع السياحي في جهة درعة تافيلالت، بهدف تطوير البنية التحتية السياحية، وتعزيز الاستثمار، وخلق فرص الشغل في المنطقة. غير أن هذه الاتفاقية، لم تُفعّل بالشكل المطلوب، وظلت حبيسة الأوراق، في ظل غياب المسؤولية بالمحاسبة، مما أدى إلى تأخير تحقيق الأهداف المرجوة، وإبقاء القطاع السياحي في الجهة بعيدًا عن الانتعاش المتوقع.
سياحة الغولف..مشروع غير قابل للتنفيذ في ظل غياب البنية التحتية
أكد خبير السياحة الزوبير بوحوت أن التوجه نحو استقطاب سياحة الغولف في درعة تافيلالت غير منطقي، لأن هذا النوع من السياحة يبحث عن وجهات توفر على الأقل ثلاثة إلى أربعة ملاعب في منطقة واحدة، مما يمكنهم من تغيير الملعب يوميًا للحفاظ على تنوع التجربة. أما في درعة تافيلالت، حتى لو تم إنشاء ملعب واحد، فإنه لن يكون كافيًا لجذب هذه الفئة، خصوصًا أن إنشاء ملعب في الصحراء سيحتاج إلى موارد مائية هائلة، وهو أمر غير متوفر في مدينة الراشدية والمنطقة عامة والتي تعاني أصلًا من الجفاف وندرة المياه.
وأضاف بوحوت ل”إعلام تيفي” أن سياحة الغولف في المغرب نجحت في مراكش وأكادير لأنهما تتوفران على أكثر من عشرة ملاعب، مما يجعل المدينتين وجهتين جاذبتين لهذا النوع من السياحة. وبالتالي، فإن الحديث عن استقطاب سياحة الغولف في درعة تافيلالت دون توفير بنية تحتية ملائمة هو مجرد طموح غير مدروس.
الاتفاقية وتأخر المشاريع.. سوء تدبير أم صراع صلاحيات؟
وكشف الزوبير بوحوت أن الاتفاقية التي وُقعت سنة 2022 بين ست وزارات وأربع مؤسسات أخرى كانت تهدف إلى تنفيذ مشاريع تنموية كبرى على مرحلتين، لكن المشروع تعثر بسبب تصرف رئيس الجهة الذي حاول تعديل الاتفاقية بعد توقيعها. وقام بمراسلة وزارة السياحة مقترحًا تحويل بعض المهام إلى وكالة محلية، وهو ما رفضته الوزارة، معتبرة أن الاتفاقية صيغت بطريقة واضحة تحدد المسؤوليات، وأن أي تعديل يتطلب مصادقة جميع الأطراف الموقعين، مما قد يؤدي إلى تأخير المشروع أكثر.
وأوضح بوحوت أن وزارة السياحة أصرت على أن تبقى الشركة المغربية للهندسة السياحية هي الجهة المسؤولة عن تنفيذ المشاريع، رغم أن إنشاء الشركة، المنصوص عليها في الاتفاقية، لم يتحقق بعد بسبب عراقيل إدارية، بينما أراد رئيس الجهة منح هذه المهام لجهة محلية لا علاقة لها بالسياحة، وهو ما أدى إلى تعطل المشروع بالكامل منذ ذلك الحين.
في المقابل، يحاول الوالي الجديد تقديم مقترحات بديلة، إلا أن مستقبل الاتفاقية يظل غامضًا في ظل غياب توافق بين الأطراف. وفي الوقت نفسه، يعاني المجلس الجهوي للسياحة من الجمود، وسط مطالب بإقالة رئيسه، بينما لم يتمكن المجلس الإقليمي للسياحة من وضع رؤية واضحة رغم تجديد مكتبه.
وأضاف أن هذا الملف يجب أن يخضع لمراقبة المجلس الجهوي للحسابات، نظرًا لحجم الأموال المصادَق عليها، والتي تصل إلى 1.4 مليار درهم، دون أن يتم تنفيذ المشاريع على أرض الواقع.
وكشف المتحدث أنه مع بداية السنة الجارية، بادرت الجهات المسؤولة إلى التشاور مع العمالات من أجل تغيير بعض المشاريع، عقب تعيين والي جديد، وذلك بسبب تباين الرؤى بين العمال الجدد الذين جاءوا بتصورات مختلفة.
وطالب بضرورة تدخل وزارة الداخلية، لسببين رئيسيين، أولًا لأن درعة تافيلالت تقع ضمن نفوذها الترابي ولها والي مسؤول عن تتبع المشاريع، وثانيًا لأن وزير الداخلية كان من الموقعين على خارطة الطريق لهذه الاتفاقية، وبالتالي فهو معني بمتابعة تنفيذها.
أشار بوحوت إلى أن المنطقة تعاني من نقص كبير في البنية التحتية المتعلقة بالمتاحف، والتي تلعب دورًا مهمًا في جذب السياح المهتمين بالثقافة والتراث. حيث أضاف أن العديد من المشاريع السياحية في درعة تافيلالت لم تأخذ بعين الاعتبار أهمية المتاحف أو الأنشطة الثقافية التي تعزز التجربة السياحية.
وأوضح أن هذه الثغرة في البنية التحتية السياحية تساهم في محدودية جاذبية المنطقة، خصوصًا فيما يتعلق بالسياح الذين يبحثون عن تجربة ثقافية غنية.
قال بوحوت إن ورزازات تعاني من ضعف كبير في البنية التحتية السياحية، بما في ذلك المتاحف. مشيرا إلى أن الفنادق في ورزازات غالبًا ما تكون مغلقة أو تواجه صعوبات كبيرة في جذب المستثمرين، بسبب غياب البنية التحتية الترفيهية مثل المتاحف والمعالم الثقافية التي تعزز تجربة السياح.
وأضاف أن المنطقة تحتاج إلى جهود كبيرة في تحسين هذه البنية، بما في ذلك تطوير المتاحف والأنشطة السياحية الثقافية، لتصبح أكثر جذبًا للسياح.
تدخل الوالي الجديد.. هل هو بداية الحل أم تأخير إضافي؟
وأشار بوحوت إلى أن الوالي الجديد لجهة درعة تافيلالت حاول تصحيح المسار من خلال التشاور مع المهنيين، وهي خطوة إيجابية لم تكن موجودة في السابق.
وحذر الخبير من أن هذا التشاور أفرز اقتراحات جديدة قد تؤدي إلى تعديل الاتفاقية، مما يستوجب مصادقة الوزراء الموقعين عليها، وهو أمر سيتطلب وقتًا طويلاً وسيؤدي إلى تأخير إضافي للمشروع.
واعتبر أن وزارة السياحة قد لا توافق على هذه التعديلات، لأنها ترى أن المشاريع التي تمت المصادقة عليها في الاتفاقية الأولى كانت أكثر أهمية وجدوى من المقترحات الممكنة الجديدة.
وأضاف أن المشاكل الحقيقية التي تعاني منها الجهة لم يتم حلها بعد، وأبرزها ضعف البنية الاستقبالية، حيث تمتلك ورزازات ما بين 3000 و4000 سرير فندقي فقط، مقارنة بمراكش والحوز اللتين توفران على قرابة 100 ألف سرير.
وأكد أن ضعف هذه البنية يجعل المستثمرين غير متحمسين للاستثمار في المنطقة، حيث توجد العديد من الفنادق المعروضة للبيع دون أن تجد مشترين، بسبب غياب بنية تحتية قوية في مجال النقل الجوي والتنشيط السياحي، مثل المتاحف والمرافق الترفيهية.
وأكد الزوبير بوحوت أن أحد أبرز المشاكل التي تعاني منها جهة درعة تافيلالت هو ضعف استقطاب الرحلات الجوية، مما يحدّ من إمكانية تطوير السياحة في المنطقة. موضحا أن الوجهات السياحية الناجحة تعتمد بشكل كبير على الربط الجوي المباشر والمنتظم، بينما تعاني ورزازات من نقص كبير في عدد الرحلات، مما يجعل الوصول إليها صعبًا بالنسبة للسياح، خاصة الأجانب.
وأشار إلى أن هذا النقص في الخطوط الجوية ينعكس سلبًا على الاستثمارات السياحية، حيث أن المستثمرين لا يثقون في المنطقة بسبب قلة الزوار، وهو ما يفسر وجود العديد من الفنادق المعروضة للبيع دون أن تجد مشترين.
وأوضح أن مقارنة بسيطة مع مراكش، التي تتوفر على شبكة واسعة من الخطوط الجوية، تظهر الفارق الكبير في جاذبية الاستثمار بين المنطقتين، حيث تستفيد مراكش من تدفق سياحي مستمر، بينما تعاني ورزازات من عزلة نسبية، مما يعرقل تطوير القطاع السياحي بها.
وختم بوحوت حديثه بالقول إن درعة تافيلالت تعاني من تأخر تنموي كبير، حيث أن “30 سنة من العمل في الجهة تساوي سنة واحدة من العمل في مراكش”، وهو ما يعكس ضعف وتيرة التنمية في المنطقة.
وأكد أن الحل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو تفعيل مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة” عبر تدخل المجلس الجهوي للحسابات ووزارة الداخلية للكشف عن سبب تأخر المشاريع وتحديد المسؤوليات، وإلا فإن المشروع سيظل مجرد حبر على ورق، بينما تبقى الجهة في حالة جمود تنموي، رغم الإمكانيات السياحية الكبيرة التي تزخر بها.
تفاصيل الاتفاقية.. أهداف طموحة مقابل تنفيذ متعثر

وتم توقيع الاتفاقية سنة 2022، وشملت عدة وزارات ومؤسسات، وزارة الداخلية، وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة،وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات،وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني،وزارة الشباب والثقافة والتواصل، مجلس جهة درعة تافيلالت، ولاية جهة درعة تافيلالت، الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، الشركة المغربية للهندسة السياحية، المركز الجهوي للاستثمار درعة تافيلالت.
وتنقسم المشاريع إلى مرحلتين، المرحلة الأولى (2022-2024)، خصصت لها ميزانية قدرها 547 مليون درهم، وكان مجلس الجهة أكبر المساهمين بمبلغ 272.5 مليون درهم، تليه وزارة السياحة عبر الشركة المغربية للهندسة السياحية بمساهمة 166 مليون درهم.
والمرحلة الثانية (2025-2027)، خصصت لها ميزانية 841 مليون درهم، وبرز مجلس الجهة مرة أخرى كأكبر المساهمين بـ 338 مليون درهم، تليه وزارة السياحة بـ 244 مليون درهم.
وساههمت كل وزارة ومؤسسة بنصيب مهم من أجل إنشاء هذا المشروع عبر المرحلتين المتفق عليهما
وحسب الاتفاقية التي اطلع عليها “إعلام تيفي“،يتقدر التكلفة الإجمالية التقديرية اللازمة لإنجاز البرنامج المتعلق بتنمية قطاع السياحة بالجهة موضوع هذه الاتفاقية بحوالي 1.388 مليار درهم، يتم تمويله عن طريق المساهمات المالية للشركاء.
وبالنسبة للبرنامج التكميلي بغلاف مالي يناهز 841 مليون درهم والممتد من 2025 إلى 2027 لإنجاز المشاريع المهيكلة والتي يتطلب إنجازها القيام بدراسات الجدوى قبليا مع توفير الأوعية العقارية اللازمة لاحتضانها من طرف المجالس الترابية.
وكانت الاتفاقية تهدف إلى تحسين البنية التحتية السياحية في المناطق الجبلية والواحات، تقديم دعم مالي وتقني للمقاولات السياحية الصغيرة والمتوسطة، خلق أقطاب سياحية تنافسية تشمل مناطق الراشيدية، ورزازات، ميدلت، تنغير، وزاكورة، تطوير مدارات سياحية متنوعة مثل “حدائق الواحات”، و”شمس الواحات”، و”حصون الواحات”، وتأهيل السياحة في ضيعات الواحات وتطوير الأنشطة الرياضية والترفيهية، دعم الإيواء السياحي البديل عبر منح تصل إلى 20% من قيمة الاستثمار، توفير استشارات وتوجيه للمقاولات، وإنشاء منصة رقمية لدعم المشاريع من التصميم حتى التشغيل.
على الرغم من توقيع عدة اتفاقيات طموحة لتنمية السياحة في جهة درعة تافيلالت، إلا أن هذه المشاريع بقيت حبرًا على ورق ولم ترَ النور على أرض الواقع. ورغم المصادقة على مبالغ مالية ضخمة، وتعهد مختلف الأطراف المعنية بتنفيذ المشاريع، فإن تعثر التنفيذ والتأخير المستمر حالا دون تحقيق الأهداف المرجوة.
وكان من المفترض أن تسهم هذه الاتفاقيات في تعزيز البنية التحتية السياحية، وتحفيز الاستثمار، وخلق فرص الشغل، غير أن العراقيل الإدارية وسوء تدبير بعض الجوانب التنظيمية أدت إلى تعطيل هذه الدينامية، مما جعل مستقبل القطاع السياحي في المنطقة يظل رهينًا بقرارات غير محسومة وتأخيرات غير مبررة.


















