بوعيدة يفجّرها داخل البرلمان: السياسة تحوّلت إلى “حِرفة لمن لا حِرفة له”

حسين العياشي

في خضم النقاش الدائر داخل لجنة الداخلية والجماعات الترابية بمجلس النواب حول مشاريع القوانين الانتخابية، اختار النائب البرلماني عن الفريق الاستقلالي، عبد الرحيم بوعيدة، أن يضع إصبعه مباشرة على الجرح العميق الذي ينخر الممارسة السياسية بالمغرب. حديثه لم يكن توصيفاً عابراً، بل نقداً صريحاً لواقع يرى أنه انحرف عن رسالته، حتى تحولت المؤسسات المنتخبة، كما قال، إلى “حرفة لمن لا حرفة له”، في ظل غياب القيم الأخلاقية وضعف الأحزاب في تحمل مسؤولياتها.

انطلق بوعيدة من سؤال مركزي اعتبره مفتاح هذا الجدل: أي سياسة نمارس اليوم؟ وهل أصبحت السياسة مجرد مهنة تُزاوَل بلا ضوابط، بدل أن تكون عملاً نبيلاً يؤطره الوعي والمسؤولية؟ واسترسل موضحاً أن عدداً من المفاهيم التي تأسست عليها الممارسة السياسية توقفت عن أداء معناها الحقيقي بعد أن طالها التشويه، بينما فقدت أحزاب كثيرة قدرتها على إصلاح ذاتها وتنقية صفوفها، حتى صارت ـ كما قال ـ تستنجد بوزارة الداخلية لتنظيف بيوتها.

وأكد بوعيدة أن مسؤولية تخليق الحياة السياسية لا يمكن أن تُلقى على عاتق القوانين وحدها، بل تبدأ أولاً من داخل الأحزاب نفسها، لأنها تعرف جيداً ـ كما قال ـ من تمنحهم التزكيات، وتعرف خلفياتهم ومساراتهم، ومع ذلك تقبل بهم لاعتبارات المال أو النفوذ. ومن هنا طرح سؤاله الاستنكاري: هل نحمل الدولة ووزارة الداخلية الوزر، أم نواجه ضعف الأحزاب التي لا تحسن اختيار مرشحيها؟

وانتقد ما وصفه بـ “الهروب المستمر نحو القوانين” كلما عجزت الأحزاب عن ضبط شؤونها الداخلية، مشدداً على أن أي نص تشريعي، مهما بدا محكماً، يمكن الالتفاف عليه إذا لم تتغير العقليات والممارسات. فالقانون، في نظره، ينظم ويؤطر، لكن الأخلاق تبقى أسمى منه، ولا يمكن لأي منظومة قانونية أن تُصلح ما تفسده الذهنيات.

وتوقف بوعيدة مطولاً عند الجدل المرتبط بالأحكام الابتدائية والنهائية في القوانين الانتخابية، داعياً إلى الدقة في استعمال المفاهيم القانونية، وإلى ضرورة أن يناقش البرلمان هذه القضايا من زاوية دستورية وقانونية قبل أن تنتقل إلى المحكمة الدستورية. وأكد أن صورة البرلمان لدى المواطنين أصبحت متدهورة، وأن استمرار بعض السلوكيات يزيد من تآكل الثقة، حتى باتت هذه المؤسسة، ومعها الجماعات الترابية، في نظر كثيرين مجرد محطة لاصطياد الامتيازات.

وتساءل بحدة: لماذا ندخل البرلمان؟ هل لحماية المصالح الخاصة، أم لجني المال، أم للدفاع عن الوطن وتشريع ما يخدمه؟ مؤكداً أن التعريف الحقيقي للدور البرلماني يمر عبر انتقاء مرشحين يليقون بهذه المسؤولية.

واعترف بوعيدة بأن الصورة النمطية السائدة حول البرلمان باتت راسخة في الأذهان، “ومعمرها تصحح”، على حد تعبيره، وأن هذه النظرة لا تسيء للعمل السياسي فحسب، بل تخلق نفوراً لدى الشباب والمواطنين. وختم حديثه بنبرة صريحة قائلاً إن تجربته الأولى داخل المؤسسة التشريعية لم تمنحه أي رغبة في العودة إليها، في إشارة تعكس عمق الخلل الذي يراه داخل المشهد السياسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى