بين الشعارات والواقع: تمكين المرأة في المغرب.. إصلاح غائب وراء الأرقام

حسين العياشي

مع اقتراب عام 2026، يبدو أن الخطاب الرسمي في المغرب يزداد زخماً حول”التمكين الاقتصادي للنساء” و”إدماج النوع الاجتماعي في السياسات العمومية”، غير أن الواقع يكشف فجوة متسعة بين الشعارات والممارسة. فمشروع قانون المالية الجديد يكرّس في تقاريره لغة طموحة تزخر بالوعود، لكنه لا يخفي محدودية النتائج على الأرض، حيث لا تزال النساء المغربيات يواجهن عراقيل بنيوية تحول دون اندماج حقيقي في الدورة الاقتصادية.

ورغم أن وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات تتصدر المشهد الحكومي في هذا الورش، فإن مؤشرات مشاركة النساء في سوق الشغل تبقى مقلقة. فمنذ اعتماد “خارطة الطريق الوطنية للتشغيل” في فبراير 2025، لم تحقق التدابير المعلنة اختراقاً حقيقياً في معدلات التشغيل النسائي، التي تراجعت من 30,4% سنة 1999 إلى 19,1% فقط في عام 2024. هذا الانحدار الصارخ يطرح تساؤلات جدية حول مدى نجاعة البرامج الحكومية وقدرتها على خلق بيئة مهنية عادلة تراعي احتياجات النساء وظروفهن.

تتحدث الحكومة عن تحسين النقل العمومي وتوسيع الإنارة في المناطق شبه الحضرية وتوفير حضانات الأطفال كحلول لتيسير ولوج النساء إلى العمل، لكنها حلول جزئية ومتناثرة لا تمس جوهر المشكلة: غياب رؤية متكاملة لإصلاح سوق العمل نفسه، وإعادة توزيع الفرص بين الجنسين على أساس الكفاءة لا التمثيلية الشكلية. فبرامج مثل “من أجلكِ” أو مبادرات “أنابيك” حققت بعض الأرقام المبهرة في التقارير، لكن أثرها الفعلي في خلق فرص دائمة أو في تقليص هشاشة العمل النسائي لا يزال محدوداً.

وفي المجال القروي، ورغم أن وزارة الفلاحة والتنمية القروية والمياه والغابات ترفع شعار “الجيل الأخضر 2020-2030” بوصفه إطاراً شاملاً لتنمية الإنسان قبل الأرض، إلا أن وضع النساء الفلاحات لا يزال هشاً. فالمبادرات التي تستهدفهن، من تكوين وتأطير ومواكبة، لم تتجاوز الطابع التجريبي أو الموسمي، بينما تظل نساء القرى يواجهن واقع التبعية الاقتصادية وضعف الولوج إلى التمويل والأرض والتقنيات الحديثة. وحتى المشاركة المتزايدة في مسابقات المنتجات المجالية تبقى رمزية، ما دامت لا تترافق مع إصلاح فعلي في سلاسل القيمة الزراعية يضمن للنساء موقعاً مستقلاً لا تابعاً.

أما في الصناعة والتجارة، فالأرقام الحكومية التي تشير إلى ارتفاع نسبة النساء العاملات إلى 42,3% عام 2024 تبدو لافتة، لكنها تخفي بدورها تمركزاً نسائياً في وظائف منخفضة الأجر ومحدودة القرار. البرامج التي تُرفع كشعارات – مثل “She Industriel” أو مشاريع التجارة الإلكترونية الموجهة للنساء – لا تزال تقتصر على شرائح حضرية محدودة، ولا تصل إلى الغالبية التي تعمل في القطاع غير المهيكل، دون حماية اجتماعية أو مسار مهني واضح.

وفي المقابل، يقدَّم قطاع الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي كرمز للتمكين النسائي، غير أن هذا القطاع، رغم أهميته الثقافية والاجتماعية، لا يمكن أن يُعوّل عليه كرافعة تنموية ما دام يظل محصوراً في أنشطة هامشية ذات عائد ضعيف. “دور الصناعة” و”قرى الحرفيات” مبادرات مهمة لكنها أشبه بجزر معزولة وسط بحر من التفاوتات. إذ ما جدوى تخصيص 30% من أجنحة المعارض للنساء إن لم يصحب ذلك تمكين حقيقي لهن من أدوات التسويق والتصدير والتمويل؟

إن ما تحتاجه السياسات العمومية ليس المزيد من البرامج واللافتات، بل جرأة في إعادة هيكلة المنظومة الاقتصادية والاجتماعية على أسس المساواة الفعلية. تمكين المرأة لا يتحقق عبر حملات رمزية أو أرقام مرحلية، بل عبر إصلاح جذري يضمن الولوج المتكافئ إلى العمل اللائق، والمشاركة في صنع القرار الاقتصادي، والاعتراف بقيمة العمل غير المأجور الذي تنهض به ملايين النساء يومياً.

لقد آن الأوان لتجاوز المقاربة التجميلية التي تزين التقارير الحكومية، نحو رؤية واقعية تعتبر النساء ليس فقط مستفيدات من التنمية، بل شريكات في صياغتها وقيادتها. فالمغرب لن يحقق نهضته المنشودة إلا حين تتحول سياسات “الإدماج النسائي” من خطاب تجميلي إلى ممارسة عادلة، تُعيد الاعتبار للمرأة كمحرّك أساسي للتنمية، لا كرقم ضمن مؤشرات الميزانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى