بين الشفافية وتضارب المصالح.. صفقة التحلية تضع أخنوش في قفص الاتهام

حسين العياشي

أعادت محطة تحلية مياه البحر بالدار البيضاء، التي يفترض أن تدخل الخدمة مع نهاية 2026 بكلفة تناهز 6,5 مليار درهم، الجدل حول العلاقة الملتبسة بين السلطة والثروة في المغرب. فرغم أن المشروع يُقدَّم من قبل رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، باعتباره إنجازاً استراتيجياً لتأمين الأمن المائي، إلا أن النقاش سرعان ما انحرف نحو سؤال آخر أكثر إلحاحاً: هل يمكن لرئيس حكومة أن يكون في الوقت نفسه المسؤول السياسي الأعلى عن السياسات العمومية، والفاعل الاقتصادي الأول المستفيد من صفقات عملاقة تموَّل في نهاية المطاف من جيوب المغاربة؟

عزيز أخنوش، حاول خلال ظهوره الإعلامي الأخير إغلاق باب الجدل، مؤكداً أن طلب العروض مرّ في ظروف “شفافة”، وأن الدولة لم تقدم أي دعم مالي مباشر، نافياً بذلك أي شبهة في العملية. لكنه لم يُبدّد المخاوف، بل زادها حدة حين أقرّ ضمناً بأن إحدى شركاته، “أفريقيا غاز”، جزء من الكونسورسيوم الذي فاز بهذه الصفقة الضخمة. هنا بالتحديد، حسب محللين، يكمن جوهر الإشكال: تضارب المصالح. فحتى في غياب دعم مالي صريح من الدولة، يظل الجمع بين موقع المسؤول الحكومي الذي يضع القوانين ويشرف على تنفيذها، وبين موقع رجل الأعمال الذي ينافس على العقود العمومية، أمراً ينسف مبدأ تكافؤ الفرص من أساسه.

ولم يقف عند هذا الحد، بل اتهم خصومه بمحاولة خلق الجدل والبحث عن “البوز”. وأكد أن العملية جرت في إطار من الشفافية ودون أي دعم مباشر من الدولة. غير أن هذا التوضيح لم ينجح في إخماد الجدل، بل زاد من حدة الانتقادات، لأن إقرار رئيس الحكومة نفسه بمشاركة شركته في المشروع يكفي، في نظر المحللين، لإثارة شبهة تضارب المصالح. فكيف يمكن لمواطن عادي أن يصدق أن المنافسة كانت متكافئة، في حين أن من يرأس الجهاز التنفيذي، ويشرف على وضع السياسات، يوجد في قلب العملية كمستثمر ومستفيد مباشر؟ هذا، بالنسبة لهم، لا يطرح فقط شبهة تضارب مصالح، بل يضعف ثقة المجتمع في المؤسسات، ويغذي شعوراً بأن المجال الاقتصادي محكوم بقواعد غير متكافئة.

الجدل تعمق أكثر بعدما تزامن الإعلان عن فوز الكونسورسيوم مع بلاغ حكومي يخص دعم مشاريع للتحلية. ورغم أن رئيس الحكومة اعتبر الأمر مجرد صدفة، إلا أن منتقديه رأوا فيه “تسريباً مؤسساتياً” منح الفائز أفضلية في صياغة عرضه المالي، معتبرين أن ما جرى أقرب إلى استغلال معلومة داخلية لا تتاح لبقية المتنافسين.

في النهاية، لم تعد محطة التحلية مجرد مشروع بنيوي ضخم، بل تحولت إلى مرآة تعكس هشاشة الفصل بين المصلحة العامة والمصالح الخاصة. وبينما يصر رئيس الحكومة على أن كل شيء تم “وفق القانون”، يرى المنتقدون أن جوهر النقاش لا يتعلق بالقانون وحده، بل بالأخلاق السياسية وبالقدرة على ترسيخ مبدأ أساسي في أي ديمقراطية حقيقية: من يتولى السلطة يجب أن يظل بعيداً عن شبهة الاستفادة المباشرة منها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى