حين يطلب أخنوش من الأساتذة تلميع حصيلته: هل تُستأجَر مصداقية الجامعة؟

حسين العياشي

تحوّل رهان رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، على الأساتذة الجامعيين لشرح حصيلة حكومته إلى المواطنين، إلى سؤال سياسي وأخلاقي قبل أن يكون مجرد مبادرة تواصلية. فحين يطلب رئيس حكومة من نخبة يفترض أن دورها النقد والتحليل المستقل أن تتكفّل بالترويج لإنجازات السلطة التنفيذية، فإن ذلك يطرح بحدة مسألة حدود العلاقة بين الجامعة والسياسة، وبين المعرفة والخطاب الرسمي.

أخنوش، الذي قدّم أرقاماً ضخمة عن ميزانية التعليم العالي، معلناً أنها بلغت 17 ملياراً و314 مليون درهم سنة 2025 مع زيادة مرتقبة بنسبة 5,26 في المائة خلال 2026، حاول أن يبني صورة حكومة تستثمر بقوة في الجامعة. غير أن هذه الأرقام، مهما بدت لامعة، تأتي في سياق يُطلب فيه من الأساتذة الجامعيين أن يتحولوا، ولو ضمنياً، إلى أذرع شارحة لسياسات الحكومة، بدل أن يحتفظوا بمسافة نقدية ضرورية تجاهها.

في لقائه مع شبكة الأساتذة الجامعيين التابعة لحزب التجمع الوطني للأحرار، لم يكتفِ رئيس الحكومة بالتعبير عن “فخره واعتزازه” بهم واعتبارهم “قدوة”، بل ذهب أبعد من ذلك حين دعاهم صراحة إلى الانخراط في شرح حصيلة الحكومة للمواطنين، مستنداً إلى “المصداقية” التي يتمتعون بها داخل المجتمع. هنا تحديداً يبرز جوهر الإشكال: المصداقية التي يتحدث عنها أخنوش هي نتاج استقلالية الجامعة وحرية الفكر داخلها، فهل يُراد اليوم استثمار هذه المصداقية في خدمة خطاب حكومي يحتاج إلى من يلمّعه ويبرره؟

الأمر يصبح أكثر حساسية عندما يرتبط بالإصلاحات الكبرى التي يقول رئيس الحكومة إنها جارية في التعليم العالي، من الطب إلى البرامج البيداغوجية، مستنداً إلى نصوص قانونية جديدة قيد المناقشة في البرلمان. فبدل أن يكون الأستاذ الجامعي طرفاً مستقلاً يقيّم هذه المشاريع ويخضعها للنقد والتمحيص، يُطلب منه أن يقدّمها للمواطنين كمنجزات جاهزة مكتملة، في خلط واضح بين وظيفة الفاعل الأكاديمي ووظيفة المروج السياسي.

في العمق، ما يقترحه أخنوش هو نوع من “التعاقد غير المعلن” مع الأساتذة الجامعيين: الدولة ترفع الميزانيات وتفتح المناصب وتحسّن بعض الشروط، مقابل أن تنخرط النخبة الأكاديمية في تفسير وتبرير اختيارات الحكومة أمام الرأي العام. غير أن هذا التعاقد، إن قُبل به، سيكون على حساب الوظيفة النقدية للجامعة، وعلى حساب صورة الأستاذ الجامعي ذاته، الذي قد يتحول في نظر جزء من المجتمع إلى مجرد وسيط دعائي بين السلطة والمواطن.

الجامعة التي يُفترض أن تكون فضاءً للمساءلة والنقاش الحر، لا ملحقاً تواصلياً للسلطة التنفيذية. وإذا كان رئيس الحكومة حريصاً فعلاً على “مصداقية” الأساتذة كما يقول، فإن أول ما ينبغي حمايته هو استقلاليتهم عن الحسابات الحزبية والانتخابية. أما تحويل هذه المصداقية إلى أداة لتسويق حصيلة حكومية، فهو رهان قد يكسب بعض النقاط على المدى القصير، لكنه يضعف، في المدى الأبعد، الثقة في الجامعة وفي الخطاب الرسمي معاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى