بين اليأس والطموح الإصلاحي.. وهبي يكشف كواليس الخلافات داخل الحكومة

حسين العياشي
كشف عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، عن كواليس الخلافات داخل الحكومة، معترفًا بأن الانسجام الظاهري لا يخفي اختلافات عميقة في الرؤى والمقاربات. الوزير، الذي بدا متعبًا من بطء الآلة الحكومية، تحدث بنبرة تجمع بين الواقعية والمرارة، مؤكدًا أن العمل داخل الجهاز التنفيذي “ليس نزهة سياسية، بل مسار مليء بالتناقضات والصراعات الهادئة”.
وهبي أوضح أن الحكومة، رغم تماسكها المؤسساتي، تعرف تباينًا في المواقف حول عدد من القضايا الكبرى، مضيفًا: “لم أقل يوما إن الحكومة محافظة من فراغ، بل عن قناعة وتجربة في النقاشات الداخلية”. بل ذهب أبعد من ذلك حين قال إن “رئيس الحكومة أكثر محافظة من حزب الاستقلال نفسه، وهذا ليس بسبب المال، بل نتيجة تربية وثقافة ومغربية خالصة”، قبل أن يضيف بابتسامة مبطنة: “أحيانًا أصل إلى درجة اليأس، وأفكر في الرحيل.”
وخلال مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة العدل، تحدث وهبي بلغة أقرب إلى الاعتراف السياسي منه إلى الخطاب الرسمي. فقد استعاد الوزير لحظة النقاش حول استقلالية السلطة القضائية، مذكّرًا بأنه كان من القلائل الذين صوتوا ضدها، إلى جانب حسن طارق، بينما دعمها الجميع بمن فيهم حزبه. وأضاف أنه عندما أصبح وزيرًا وسأل رئيس الحكومة عن إمكانية مراجعة استقلالية النيابة العامة، تلقى جوابًا قاطعًا بالرفض، ليعقّب: “أمام هذا الواقع، كان أمامي خياران: إما أن أوقف كل شيء، أو أساير اختيارات الدولة.”
الوزير لم يخف إحباطه من مسار الإصلاحات التشريعية، خصوصًا ما يتعلق بمشروع القانون الجنائي، قائلاً: “ربما لن أكون من يقدمه، لكن سيأتي وزير بعدي ليجد النص جاهزًا مثلما وجدت أنا نصوصًا من وزراء قبلي”، مشيرًا إلى أن العمل الوزاري هو مسار تراكمي لا يحتكره شخص واحد: “لا أحد يعمل لوحده، حتى الملك في إنجلترا لا يحكم وحده، فكيف بالوزير؟”
في مقطع آخر من حديثه، رسم وهبي صورة قاسية لواقع التدبير الحكومي، حين وصف الوزير بأنه “يتيم في مأدبة اللئام”. وقال بنبرة تجمع بين السخرية واليأس: “تأتي متحمسًا للتغيير، ثم تكتشف أن موظفًا صغيرًا قد يعطل مشروعك بكلمة. تحاول إقناعه، فيرفض، وليس لك سوى الانتظار أو الصمت.” وأضاف أن بطء الإجراءات الإدارية يكاد “يقتل الأعصاب”، قائلاً: “ترسل النص للحكومة فيطلبون التشاور، ثم للبرلمان، ثم تنتظر النشر في الجريدة الرسمية، وكأن الزمن السياسي لا يعني أحدًا.”
وختم وهبي حديثه بإشارة تعكس عمق الأزمة البيروقراطية التي تواجه الإصلاحات القانونية، موضحًا أن مشروع العقوبات البديلة، الذي خاض حوله “صراعًا عنيفًا” داخل الحكومة، عاد ثلاث مرات للمراجعة قبل أن يُسحب منه ويُسند لمندوبية السجون. وقال بلهجة حازمة: “لهذا لا أملك السلطة في هذا الموضوع، ولا أستطيع فرض ما لا تملكه يداي.”
بهذا الخطاب، قدّم وزير العدل صورة عن واقع السياسة في المغرب كما تُمارس من الداخل، بين الرغبة في التغيير وسلطة الأعراف البيروقراطية، بين طموح الإصلاح وإكراهات المنظومة. وهو حديث يكشف، كما لم يحدث من قبل، الوجه الإنساني للسياسي حين يواجه جدار الواقع بثقل القناعة والخذلان في آن واحد.




