بين خطاب بايتاس وواقع الديون أرقام وردية تخفي أزمة ثقيلة

فاطمة الزهراء ايت ناصر
قدّم مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة، صورة متفائلة للوضعية المالية للمغرب، مؤكدا أن عجز الميزانية تراجع من 7 في المائة سنة 2020 إلى 3.5 في المائة هذه السنة، مع توقع انخفاضه إلى 3 في المائة السنة المقبلة، واصفا هذه النسبة بغير المسبوقة. كما تحدث عن ارتفاع المداخيل الجبائية من 199 مليار درهم سنة 2020 إلى حوالي 363 مليار درهم في أفق 2026، وعن تحسن الموارد العادية، مبرزا أن هذه الأرقام تعكس منجزا إيجابيا للحكومة.
لكن، في مقابل هذا الخطاب الرسمي، تكشف تقارير مالية دولية، ومنها تقرير “أفريكسيم بنك”، معطيات أقل وردية. فالمغرب، بحسب التقرير، حل في المرتبة الرابعة إفريقيا من حيث حجم المديونية الخارجية، بعد جنوب إفريقيا ومصر ونيجيريا. وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن 70 في المائة من هذه الديون طويلة الأجل، أغلبها في ذمة الحكومة ومؤسساتها، إضافة إلى نحو 10 مليارات دولار كديون قصيرة الأجل و3.9 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.
هذا التباين يطرح تساؤلا حول ما إذا كان تراجع نسب العجز وتضخم المداخيل الضريبية كافيين لإخفاء حقيقة عبء الدين الذي يثقل كاهل المالية العمومية. التقرير ذاته حذّر من أن خدمة الدين العام استنزفت 27.5 في المائة من الإيرادات الحكومية سنة 2024، بعدما لم تكن تتجاوز 6.8 في المائة سنة 2008، ما يعني أن حصة كبيرة من موارد الدولة تتجه لسداد فوائد الديون بدل الاستثمار في قطاعات إنتاجية أو اجتماعية.
والانعكاسات المباشرة لهذه الوضعية تظهر في ثلاثة مستويات أولها، ارتفاع الضغط الضريبي الذي لجأت إليه الحكومة لتعويض العجز، وهو ما أضعف القدرة الشرائية للمغاربة وأثر على الاستهلاك الداخلي. ثانيها، تقلص الاستثمار العمومي، حيث تذهب معظم الإيرادات لسداد فوائد الدين بدل ضخها في مشاريع تنموية مستدامة. ثالثها، المخاطر المرتبطة بالتصنيف الائتماني للمغرب، إذ حذّر خبراء من أن استمرار ارتفاع المديونية قد يؤدي إلى خفض التصنيف، ما يرفع كلفة الاقتراض ويضع البلاد في حلقة مفرغة من الاستدانة.
بين خطاب بايتاس الذي يركز على “التوازنات الماكرو-اقتصادية” وتقارير المؤسسات المالية الدولية التي تنبه إلى المخاطر المتصاعدة، يجد المواطن نفسه أمام واقع ضريبي خانق وقدرة شرائية متآكلة وفرص تنموية محدودة. وإذا كان من الضروري الاعتراف بالمجهودات الحكومية في تحسين بعض المؤشرات، فإن الصورة الكاملة تكشف أن الاقتصاد المغربي لا يزال رهينا لثقل الدين الخارجي وتقلبات الأسواق العالمية، وأن الإصلاح الحقيقي لن يكون بالأرقام وحدها، بل بالسياسات التي تضع المواطن في صلب المعادلة.