تأجيل إصلاح التقاعد: مسار طويل من التحضيرات دون نتائج ملموسة

حسين العياشي
يشهد المغرب في الوقت الراهن نقاشات مستمرة حول إصلاح أنظمة التقاعد، وهو الإصلاح الذي أصبح ضرورة ملحة في ضوء التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها البلد. ومع ذلك، فإن التأخير المستمر في تنفيذ هذا الإصلاح يثير العديد من التساؤلات حول مدى جدوى الإجراءات المتخذة حتى الآن. في الوقت الذي كانت قد حددت فيه الحكومة، عبر القانون الإطار 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية، سقفًا زمنيًا واضحًا لتنفيذ الإصلاح الهيكلي لأنظمة التقاعد، نجد أن هذا الإصلاح قد تم تأجيله مجددًا إلى شهر ماي 2026، بحجة أن النصوص القانونية لن تكون جاهزة قبل هذا الموعد.
على الرغم من أن إصلاح أنظمة التقاعد يُعدّ من أولويات السياسات الاجتماعية، فإن الحديث المستمر عن مراحل التحضير والإعداد يثير قلقًا حقيقيًا بشأن جدية الحكومة في تنفيذ التزاماتها. فعلى مدار السنوات الأخيرة، كانت الحكومة والشركاء الاجتماعيون يعلنون عن تقدم في أعمال اللجنة الوطنية المعنية بالإصلاح، ويحددون مواعيد للانتهاء من مختلف المراحل، دون أن يتحقق ذلك. فبعد سلسلة من التأجيلات، يظل هذا الإصلاح بعيدًا عن التطبيق الفعلي، وهو ما يعكس الفجوة بين التصريحات الرسمية والواقع الملموس.
يُضاف إلى ذلك، أن التأجيل المستمر يضاعف من معاناة المتقاعدين، خاصة أولئك الذين يتلقون تعويضات شهرية لا تتجاوز الحد الأدنى للأجر. هذه الفئة الضعيفة، التي تعتمد بشكل كامل على هذه التعويضات لتلبية احتياجاتها الأساسية، تجد نفسها في وضع صعب للغاية، في ظل تدني مستوى الدخل وارتفاع تكاليف المعيشة. ومع مرور الوقت، تزداد الأوضاع الاجتماعية سوءًا، مما يعمق معاناتهم ويزيد من هشاشة وضعهم الاقتصادي.
وفي هذا السياق، تتطلع الحكومة إلى إتمام إعداد النصوص القانونية والتنظيمية اللازمة لتنفيذ الإصلاح بحلول مايو 2026، وهو ما يثير المزيد من التساؤلات حول تأخر تنفيذ الإصلاح رغم وضوح الرؤية القانونية والضرورية لهذا التغيير. هذا التأجيل الجديد يجعل من الصعب على المتقاعدين، الذين هم في أمس الحاجة إلى هذه الإصلاحات، الانتظار لفترة أطول. فكل يوم يمر دون تنفيذ حقيقي للإصلاح يزيد من تفاقم الأوضاع الاجتماعية ويعمق الهوة بين التوقعات المعلنة من الحكومة والواقع الذي يعيشه المواطنون.
إضافة إلى ذلك، فإن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المغرب، من ارتفاع في مستويات المعيشة وتدهور القدرة الشرائية، تجعل من غير المقبول أن يتأخر الإصلاح الذي كان يُفترض أن يكون خطوة حاسمة نحو ضمان حياة كريمة للمتقاعدين. فكل تأجيل يساهم في تعميق هذه الهوة بين ما هو معلن وما هو واقع، ويزيد من فقدان الثقة بين المواطنين والدولة. وعليه، يبقى السؤال الأبرز: لماذا هذا التأخير المستمر في تنفيذ الإصلاحات رغم وضوح الرؤية وضرورته العاجلة؟ هل هناك إرادة حقيقية لتحقيق هذا الإصلاح، أم أن هناك أسبابًا غير واضحة وراء هذا التأجيل؟
في النهاية، لا يستطيع المتقاعدون، الذين يعيشون على هامش الحياة الاقتصادية، الانتظار أكثر. إنهم في حاجة ماسة إلى هذه الإصلاحات لضمان حقوقهم وتحسين أوضاعهم. لذا، يبقى الأمل في أن يتحقق الإصلاح فعليًا في الموعد المحدد، وأن يكون خطوة نحو ضمان حياة أفضل للمتقاعدين وتلبية احتياجاتهم الأساسية في ظل واقع اقتصادي صعب.