تحالفات ما قبل الصناديق: اليسار يفاوض نفسه بين المبدأ والموقع

حسين العياشي

مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية، تبدأ ملامح الحركية السياسية في التشكل مبكرًا، كما جرت العادة قبل كل استحقاق انتخابي حاسم. وتدخل الأحزاب المغربية مرحلة جسّ النبض، عبر مشاورات واتصالات غير معلنة في كثير من الأحيان، بحثًا عن صيغ تنسيق أو تحالفات محتملة تعزز مواقعها في المشهد السياسي المقبل، في ظل إدراك جماعي بأن موازين القوى لا تُحسم يوم الاقتراع فقط، بل تُصاغ أيضًا في الكواليس قبل ذلك بوقت طويل.

في هذا السياق، تشهد الساحة الحزبية نقاشات متواصلة حول إمكان بناء تنسيقات مشتركة، غير أن هذه المحاولات تصطدم، منذ الآن، بخلافات جوهرية تتجاوز التقاطعات البرامجية أو الإيديولوجية، لتلامس سؤال الموقع السياسي بعد الانتخابات. فبين من يدفع في اتجاه تعزيز جبهة معارضة قوية، ومن يترك الباب مواربًا أمام إمكانية المشاركة في الحكومة المقبلة، تتعقد حسابات التنسيق وتزداد هوامش التباعد.

الحزب الاشتراكي الموحد يبرز كأحد أكثر الأطراف وضوحًا في هذا النقاش، إذ يؤكد، وفق ما يرشح من مواقفه، أن أي تنسيق سياسي محتمل مع أحزاب يتقاطع معها يجب أن يكون موجّهًا أساسًا نحو تقوية المعارضة اليسارية، وليس مجرد تحالف انتخابي ظرفي ينتهي بانتهاء لحظة الإعلان عن النتائج. فبالنسبة للحزب، لا معنى لأي تقارب لا يحمل في جوهره تصورًا سياسيًا واضحًا حول الدور المنتظر بعد الانتخابات.

وفي هذا الإطار، كشف مصدر مطلع من داخل الحزب الاشتراكي الموحد أن المساعي الرامية إلى بناء تنسيق يساري قبل الاستحقاقات المقبلة تواجه عراقيل حقيقية، تعود أساسًا إلى مسألة المشاركة في الحكومة. وأوضح المصدر في تصريحه، أن الحزب يرفض بشكل صريح أي تنسيق قد يفضي في نهايته إلى الالتحاق بالحكومة بعد الانتخابات، معتبرًا أن الهدف المركزي من أي تقارب يساري يجب أن ينصب على استعادة حضور اليسار داخل المجتمع والمؤسسات، وتقوية موقعه في المعارضة، بدل الانخراط في تجارب حكومية لا تخدم هذا التوجه.

وحسب المصدر ذاته، فإن الاشتراكي الموحد يجري بالفعل مشاورات مع حزب التقدم والاشتراكية، غير أن هذه النقاشات تصطدم بتباين في الرؤية السياسية بين الطرفين. ففي الوقت الذي يُبدي فيه حزب التقدم والاشتراكية انفتاحًا على خيار المشاركة في الحكومة المقبلة، يفضل الاشتراكي الموحد التموقع الواضح داخل المعارضة، معتبرًا أن المرحلة تقتضي بناء قوة يسارية ناقدة وفاعلة أكثر من السعي إلى مقاعد حكومية.

ويضيف المصدر أن هذا الاختلاف في التوجه يجعل من التنسيق الميداني، رغم وجود تقاطعات سياسية وتنظيمية متعددة، أمرًا معقدًا، خاصة في ظل غياب موقف حاسم لدى حزب التقدم والاشتراكية بشأن موقعه المستقبلي، سواء عبر المشاركة في الحكومة أو حتى من خلال التنسيق مع قوى سياسية أخرى مثل حزب العدالة والتنمية، وهو ما يظل، حسب المصدر، عنصرًا معلقًا يربك مسار أي اتفاق نهائي.

في المقابل، يظل خيار التنسيق مع فدرالية اليسار الديمقراطي مطروحًا بقوة داخل الحزب الاشتراكي الموحد، خاصة في ضوء التجربة المشتركة السابقة ضمن إطار الفدرالية. ويرى المصدر أن هذا الاحتمال يبدو الأقرب إلى التحقق، بالنظر إلى تقاطع المواقف المبدئية بين الطرفين، خصوصًا في ما يتعلق بالتموقع داخل المعارضة والعمل على تقوية حضورها داخل البرلمان والمشهد السياسي عمومًا.

وبين هذه الحسابات المتقاطعة، يتضح أن اليسار المغربي يدخل مبكرًا مرحلة إعادة ترتيب أوراقه، في سياق سياسي معقد، حيث لم يعد الخلاف يدور فقط حول البرامج والشعارات، بل حول الخيارات الاستراتيجية الكبرى وموقع كل حزب في معادلة السلطة والمعارضة. ومع اقتراب 2026، يبدو أن معركة التنسيق ستُخاض أولًا حول سؤال “أين نقف؟” قبل أن تُخاض حول “مع من نتحالف؟”، في انتظار أن تحسم الأشهر المقبلة اتجاه البوصلة اليسارية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى