
فاطمة الزهراء ايت ناصر
لم تمر الجلسة التشريعية الأخيرة في مجلس النواب دون أن تترك وراءها عاصفة من الجدل، بعدما فجر تعديل طارئ مرتبط بتعويضات حوادث السير موجة واسعة من الاستنكار داخل الأوساط القانونية والحقوقية.
تعديل بدا للكثيرين وكأنه هدية تشريعية نزلت في اللحظات الأخيرة لصالح شركات التأمين، وقلبَ موازين النقاش حول حقوق الضحايا والشفافية في صناعة القرار داخل البرلمان المغربي.
شرارة الجدل انطلقت حين كشف أستاذ القانون الدستوري عمر الشرقاوي وثيقة تتضمن الصيغة الجديدة للتعديل، على صفحته على الفايسبوك.
فبدل أن ينص القانون على أنه سيطبق على جميع الحوادث التي لم يتم تسويتها في هذا التاريخ، ظهرت صيغة مختلفة كليا حين تم القرار أن هذا القانون يدخل حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية، ولا تطبق أحكامه على الأضرار الناجمة عن الحوادث الواقعة قبل هذا التاريخ.
هذه العبارة – في نظر الشرقاوي – تفتح الباب أمام شركات التأمين للتهرب من أداء تعويضات تهم آلاف الملفات العالقة، بما يناهز 700 مليار سنتيم وفق تقديره.
وهو ما اعتبره انقلابا تشريعيا يمس بشكل مباشر حقوق الضحايا الذين ينتظرون التسوية منذ سنوات.
الفرق بين الصيغتين ليس لغويا فقط؛ بل يعيد، حسب خبراء، صياغة العلاقة بين المستهلك وشركات التأمين، ويحسم الكفة لصالح هذه الأخيرة بشكل واضح.
ورغم كل هذا الجدل، صادق مجلس النواب على مشروع القانون رقم 70.24 بالأغلبية 107 أصوات مؤيدة مقابل 37 معارضا، في تعديل يطال الظهير المؤطر لتعويضات حوادث السير الصادر سنة 1984.
وزير العدل عبد اللطيف وهبي خرج مدافعا بقوة عن المشروع، مؤكدا أنه يأتي لتحديث منظومة ظلت جامدة منذ أربعة عقود.
وأبرز أن النص الجديد يرفع قيمة التعويضات بـ150%، ويوضح عددا من المفاهيم القانونية، من الأجر والكسب إلى القدرة المهنية.
لكن تصريحات الوزير حول كون شركات التأمين ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها صبت الزيت على نار الجدل، إذ اعتبرها منتقدون إشارة واضحة إلى انحياز غير مبرر للفاعلين الاقتصاديين الكبار على حساب ضحايا الحوادث.
لا ينكر المختصون أن مشروع القانون يتضمن مستجدات مهمة، من قبيل توحيد آجال التقادم في خمس سنوات، ضبط حالات وقف وانقطاع التقادم، إدماج وسائل النقل الجديدة كالترامواي والسيارات ذاتية القيادة، وتوضيح مفاهيم التعويض والمداخيل المهنية.
غير أن كل هذه المستجدات تراجعت إلى الخلف أمام الثقل السياسي والقانوني للتعديل المتعلق بعدم تطبيق القانون على الحوادث السابقة.
بالنسبة لكثيرين، هذا التعديل يعيد هندسة حقوق آلاف الضحايا بضغطة قلم، ويمنح شركات التأمين صك نجاة من التزامات مالية ضخمة.
الجدل اليوم لم يعد حول ضرورة تحديث الترسانة القانونية، بل حول طريقة تمرير تعديل حساس في اللحظات الأخيرة، دون نقاش علني أو مبرر سياسي واضح.
كما أن غياب توضيحات رسمية مفصلة ساهم في توسيع دائرة الشكوك بشأن خلفيات هذا القرار





