تقرير: المغرب يحتفظ بمكانه بين الاقتصادات الافريقية الأكثر جاذبية للاستثمار

حسين العياشي

أصدرت راند ميرشانت بنك (RMB) تقريرها السنوي “أين تستثمر في أفريقيا” 2025–26، وتظل إحدى الرسائل المركزية للتقرير واضحة: القارة تتجه من نموذج المساعدة إلى نموذج الاستثمار والتبادل التجاري. داخل هذه المعادلة القارية، يبرز المغرب بوضوح — لا كملاحٍ هامشي بل كلاعبٍ احتفظ بموقعه بين الخمسة الأوائل، محتلاً المرتبة الخامسة على اللائحة، ويحمل ذلك دلالات أهمّ من رقمٍ بحت.

لماذا المغرب؟ يرد التقرير بصورة مباشرة إلى عناصرٍ ثابتة: استقرار مؤسسي نسبي، انفتاحٌ في الأسواق، وسياساتٍ اقتصادية تُشجّع الاستثمار المنتج. هذه التركيبة تمنح المغرب ميزة مزدوجة: ثقة المستثمرين من جهة، وقدرة على تحويل رأس المال إلى مشاريع حقيقية من جهة أخرى. باختصار، المغرب لا يُباع بالأمنيات؛ بل يُقاس بمدى قدرته على خلق بيئةٍ استثمارية تُحوّل المال إلى وظائف وبُنى ومنتجات قابلة للتصدير.

خلف هذا التصنيف رسالة أكبر صاغها اقتصاديو البنك: السنوات الأخيرة شهدت تقلبات سياسية وتنظيمية في مناطق عدة من القارة، ومع تراجع المساعدات الخارجية وتحول تدفقات رؤوس الأموال، صار من الضروري أن تبني الدولُ علاقاتٍ اقتصادية قائمة على المنفعة المتبادلة. المغرب، بحسب معايير التقرير، يبدو من الدول التي نجحت إلى حدٍ ملحوظ في قراءة المشهد وتحويله إلى مساحة جذب للمشاريع والصفقات بدلاً من الاعتماد على الهبات.

وجود المغرب بين الخمسة الأوائل لا يعني غياب التحديات—فالتنافس الإقليمي متصاعد، ونوافذ الفرص تتسع لأصحاب الرؤية وسرعان ما تُغلق على غير المستعدين—لكن التميّز في الاستقرار السياسي والسياسات المشجعة على الاستثمار يعطي المملكة هامش ربحٍ استراتيجي. التقرير يشير أيضاً إلى أن ثبات المراتب على القمة (السيشيل وموريشيوس ثم مصر وجنوب أفريقيا ثم المغرب) يعكس وصفة مجرّبة: مؤسسات راسخة، أسواق منفتحة، وسياسات تدفع نحو الإنتاج لا إلى المضاربة.

الرسالة النهائية للمخاطبين — قادة القطاع العام والخاص — واضحة وحازمة: التوصيف 2025–26 ليس دعوة للاكتفاء؛ إنه خارطة عمل. على صانعي القرار في المغرب أن يحافظوا على ما بنوه، ويعمّقوا الإصلاحات التي تُحوّل الاستثمارات إلى سلاسل إنتاجية ذات قيمة مضافة، وعلى المستثمرين أن يروا في المغرب منصة عملٍ أكثر منها مجرد سوق استهلاكية. بهذا التوازن تتحرر القارة من وصاية الاعتماد وتصبح خليقة بأن تكون “الحديقة الكبيرة” لفرص نموّ جديدة — والمغرب، بحسب التقرير، من أوائل البلدان المرشّحة لقيادة هذا التحوّل.

في النهاية: التقرير يؤكد أنّ الاستثمار في أفريقيا لم يعد مقامرة على المدى البعيد، بل قرارٌ استراتيجي يُبنى على فهم التحولات السياسية والاقتصادية. أما المغرب، فموقعه الخامس ليس محطة نهاية بل نقطة انطلاق—من يراهن عليه اليوم، يراهن على بلدٍ أثبت قدرته على تحويل الاستقرار والسياسات إلى جاذبٍ فعلي لرأس المال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى