
حسين العياشي
في تقريره السنوي لعام 2025، كرّس معهد بازل للحكامة تقديراته لمستوى مخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب حول العالم، مجدداً تصنيف الدول وفق مؤشره الشامل “Basel AML Index”. وفي خضم هذه الخرائط الدولية التي ترسم واقع مكافحة الجرائم المالية، جاء المغرب في المرتبة المائة عالميًا من أصل 177 دولة وجزيرة قضائية شملها ترتيب العام الحالي، محققاً درجة مخاطر بلغت 5.04 من 10، ما يضعه في خانة الدول ذات المخاطر المتوسطة في مواجهة هذه الآفة المالية الخطيرة.
يعكس هذا التصنيف، الذي يصدر عن مؤسسة مستقلة معتمدة على مؤشرات دولية متعددة، واقعاً مزدوجاً: من جهة، لا يزال المغرب معرضاً لتحديات جوهرية في مجال مكافحة غسل الأموال، ومن جهة أخرى، يبرز التقدم الملحوظ الذي أحرزه في بناء أطر قانونية ومؤسساتية أكثر صلابة. والمؤشر نفسه يشير إلى أن المغرب حقق أداءً يفوق من حيث المخاطر بعض الدول، لكنه في الوقت ذاته لم يتمكن بعد من الانتقال إلى فئة المخاطر المنخفضة، التي تتطلب درجات أقل من 4.70 على مقياس المؤشر.
هذا التصنيف الجديد يشير أيضاً إلى تدهور طفيف في التعرض لمخاطر غسيل الأموال مقارنة بالعام السابق، حيث ارتفع المؤشر بشكل طفيف عن نتائجه في 2024، ما يعكس وفق التقرير “تزايداً في عوامل الضعف”، خصوصاً على الصعيدين السياسي والقانوني وتأثير ذلك في فعالية الأطر الرقابية والتنظيمية.
على الصعيد الإقليمي، يظل المغرب منافساً ضمن مجموعة دول شرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) التي تُظهر في مجملها مستويات متفاوتة من المخاطر والشفافية المالية. ورغم أن متوسط المخاطر في المنطقة ارتفع، إلا أن المغرب يثبت حضوره في فئة الدول المتوسطة قدرتها على مواجهة الآفة، مقارنة بدول أخرى قد تواجه مخاطر أعلى.
هذه النتائج تأتي في سياق جهود متواصلة تبذلها السلطات المغربية على مستويات متعددة لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لا سيما من خلال تعزيز الأطر القانونية والتنظيمية ومواكبة المعايير الدولية المعتمدة من قبل مجموعة العمل المالي الدولي (GAFI) والهيئات المعنية. كما أن إشراك مؤسسات مثل البنك المركزي وUnités de Renseignement Financier في تعزيز الرقابة والتنسيق بين الأجهزة، يعكس إرادة وطنية في تقليص الثغرات وتحسين مؤشرات الامتثال.
ومع ذلك، فإن التقرير يذكّر بأن التقدم في هذا المجال ليس مسألة حسابية وحسب، وإنما يرتبط بمدى استدامة وتطوير السياسات والأدوات الوطنية، وتكريس دور الهيئات الرقابية والقضائية، وتعزيز الشفافية المالية ومكافحة الفساد، وهو ما يبقى محوراً أساسياً في تقليل مخاطر غسيل الأموال وتحقيق مستوى أمني واقتصادي أكثر متانة.
في المحصلة، يوضح مؤشر Basel AML 2025 أن المغرب ما زال في مفترق طريق بين ما تحقق من إنجازات وما يتطلبه المستقبل من إصلاحات أعمق وسياسات أكثر تناسقاً وفعالية، لتقليل تعرضه للمخاطر المالية العابرة للحدود، وتعزيز ثقته في الساحة الدولية.





