تقرير صادم للبنك الدولي: المغاربة يرون الفساد مستشرياً.. والحكومة تخسر معركة الثقة

حسين العياشي
رسم البنك الدولي، في أحدث تقاريره صورة مقلقة للوضع الاجتماعي والمؤسسي في المغرب، مؤكداً أن حجم الموارد المخصصة لتنمية رأس المال البشري لا ينعكس في مستوى ثقة المواطنين ولا في جودة الخدمات المقدمة. التقرير المعنون بـ «إصلاح المؤسسات من أجل تغطية فعالة – مؤسسات التنمية البشرية الصامدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، يشير بوضوح إلى وجود “فجوة عميقة بين الاستثمار والنتائج”.
المؤشر الأكثر دلالة يبقى عزوف المغاربة عن الثقة في مؤسساتهم. فحسب نتائج “الباروميتر العربي”، لا تتجاوز نسبة الرضا عن الأداء الحكومي 21%، مقابل نسب أدنى بكثير في ما يخص التعليم (18%) والصحة (24%). الاتجاه العام يسير في منحى تنازلي، إذ تراجع مستوى الرضا عن العمل الحكومي من 35% سنة 2021 إلى 24% فقط في الفترة 2023-2024.
الأمر لا يتعلق بالسياسات فحسب، بل أيضاً بالصورة العامة للمؤسسات: 62% من المغاربة يقولون إنهم لا يثقون أو يثقون قليلاً بالحكومة، فيما يعتقد 86,5% بانتشار “عالٍ” للفساد، وفق ما أورده «World Values Survey». وحدها بعض الهيئات المدنية والمستشفيات الخاصة تنجو نسبياً من هذا التشكيك الجماعي.
على صعيد الأرقام، يخصص المغرب نسباً لافتة من ناتجه الداخلي الخام للقطاعات الاجتماعية: 6 % للتعليم، وهو معدل يفوق المتوسط العالمي (4%) والإقليمي (5%)، و9% للحماية الاجتماعية، مقابل 5% كمعدل عالمي. غير أن هذا الإنفاق السخي لا يحجب أعطاباً عميقة، أبرزها بلوغ معدل “فقر التعلم” 60% واستقرار مؤشر رأس المال البشري عند 0,50 منذ 2017، أي دون متوسط المنطقة البالغ 0,57.
كما يكشف التقرير عن مفارقات أخرى: “العلاوة السلبية” لأجور الوظيفة العمومية (-14% مقارنة بالقطاع الخاص)، واستمرار الفوارق بين الجنسين، حيث تمثل النساء 26 % فقط من العاملين في القطاع العام، مع تفاوتات واضحة في الرواتب.
جانب آخر مثير يهم الحوكمة الرقمية والمؤسساتية، حيث يسجل المغرب 0,53 في مؤشر “GovTech” و4,00 في مؤشر القدرة الإحصائية، فيما لا يتجاوز تقييمه في مؤشر التحول السياسي (BTI) عتبة 4,54، وهو ما يضعه في “الشريحة الدنيا” إقليمياً.
خلاصة البنك الدولي قاسية، المغرب يضخ موارد مالية معتبرة في التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، لكنه يظل عاجزاً عن تحويل هذه الاستثمارات إلى نتائج ملموسة في حياة المواطنين أو في علاقة الثقة التي تربطهم بمؤسسات الدولة. التحدي الحقيقي إذن لم يعد حجم الإنفاق، بل جودة الحكامة والقدرة على ردم الهوة بين الدولة والمجتمع.





