
حسين العياشي
أكد تقرير صادر عن العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن المنظومة التعليمية والتكوينية في المغرب تواجه تحديات بنيوية عميقة، تؤثر على جودة التعليم وتضعف فرص الشباب في اكتساب المهارات المطلوبة لسوق الشغل. وأوضح التقرير أن الاختلالات تشمل عدم ملاءمة المناهج مع متطلبات الاقتصاد، وضعف البنية التحتية الجامعية، والفوارق المجالية في الولوج إلى التعليم العالي.
المعطيات الثي خلص إليها، تشير إلى أن العديد من التخصصات الجامعية تفتقر إلى البعد التطبيقي، ما يخلق فجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات أرباب العمل، ويزيد من معدلات البطالة في صفوف الخريجين. كما أن التركيز على المدن الكبرى في توفير التعليم الجيد يعمّق التفاوتات ويؤثر سلبًا على شباب المناطق النائية.
ولفت التقرير إلى معضلة الهدر الجامعي، حيث تعكس نسب الانقطاع المرتفعة ضعف قدرة الطلاب على استكمال مسارهم الدراسي، ما يحرم الاقتصاد الوطني من طاقات مؤهلة يمكن استثمارها. وشدد على ضرورة إعادة بناء الثقة بين الطالب والمؤسسة الجامعية، من خلال محاربة الزبونية والمحسوبية، وإعادة الاعتبار للجامعة كفضاء للعلم والمعرفة.
ودعت العصبة الحكومة إلى إصلاح شامل للمناهج التعليمية، بما يركز على المهارات الناعمة، الابتكار وريادة الأعمال، وزيادة الاستثمار في البنية التحتية الجامعية، وتجهيزها بأحدث الوسائل التكنولوجية، إضافة إلى تعزيز البحث العلمي والشراكة مع القطاع الخاص، لتقوية فرص التكوين الميداني والإدماج المهني. كما شددت على ضرورة إشراك التنظيمات الطلابية في صنع القرار الجامعي لضمان مشاركة حقيقية للطلاب في العملية الإصلاحية.
وفي السياق نفسه، أصدر مجلس المستشارين تقريرًا مفصلًا حول تحديات التشغيل وهيكلة منظومة التكوين المهني، حيث ركز على ضرورة ربط التكوين المهني مباشرة بمتطلبات سوق العمل والقطاعات ذات القيمة المضافة العالية، مع إشراك القطاع الخاص في تصميم البرامج وتوسيع الإدماج والتشغيل الذاتي، وتسهيل المساطر للشباب والنساء، وإرساء آليات تمويل مرنة.
وأكد التقرير البرلماني أهمية دعم البحث العلمي والابتكار لتعزيز التنافسية وجذب الاستثمارات، مع التركيز على الاقتصاد الرقمي والأخضر، واقترح إحداث هيئة دائمة متعددة القطاعات لتنسيق السياسات العمومية الخاصة بالتشغيل والتكوين والاستثمار، لضمان انسجام الجهود وتفادي التداخلات.
كما تناول التقرير تمكين المرأة اقتصادياً، داعيًا إلى اعتماد حوافز مالية وضريبية، وتخصيص اعتمادات للمشاريع النسائية، وتشجيع إدماجهن في القطاعات الصناعية، ودعم المقاولة النسائية عبر المواكبة القانونية والتقنية وتبسيط المساطر.
وبالنسبة لبيئة المقاولة، أوصى التقرير بإنشاء منصات رقمية وطنية وجهوية لربط بيانات التكوين والتشغيل بالفرص الاستثمارية، وتوسيع الضمانات لفائدة المقاولات الصغيرة والمتوسطة، مع التفكير في سوق قانونية للديون المتعثرة لتخفيف الضغط على الأبناك.
وخلال مناقشة التقرير، شدد العديد من المستشارين على استمرار الفجوة بين حجم الاستثمارات المنجزة وأثرها المباشر على التشغيل، مؤكدين أن محاربة البطالة تتطلب معالجة الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتعزيز الإدماج السوسيو-اقتصادي، وتحديث الإطار القانوني لعلاقات الشغل، وتكييف برامج التكوين مع حاجيات السوق بشكل أكثر استهدافًا ونجاعة.
في النهاية، يرى بعض المحللين، خاصة الشباب منهم، أن أزمة التعليم والتكوين ليست مجرد أرقام وتقارير، بل معاناة يومية يعيشها آلاف الشباب الباحثين عن فرصة عمل تليق بطموحاتهم. الإصلاح لم يعد خيارًا مؤجلاً، بل ضرورة عاجلة لرد الاعتبار للمدرسة والجامعة المغربية، حتى تعودا فضاءً لصناعة الكفاءات لا لتغذية طوابير العاطلين. الكرة اليوم في ملعب الحكومة وصنّاع القرار: فهل سيتحول الكلام إلى فعل قبل أن يفوت الأوان؟





