تمثلات خادعة ونخب غائبة: من يرافق شباب الغد؟

فؤاد يعقوبي مختص في علم النفس الإجتماعي في السياق المغربي

في سياق احتجاجات سلمية يقودها شباب الجيل المرقمن للمطالبة بحقوق أساسية كالصحة، والتعليم، والكرامة الاجتماعية، يبرز مشهد لافت من العزلة الرمزية التي يعيشها هؤلاء الفاعلون الجدد. فعلى الرغم من عدالة مطالبهم وسلمية تحركاتهم، فإنهم يجدون أنفسهم في العراء المعنوي، دون دعم فعلي من الجمعيات الحقوقية، أو المنظمات الإنسانية، أو حتى الأحزاب السياسية، التي يفترض أن تؤدي دور الوساطة وتمنحهم جزءا من رأس المال الرمزي اللازم للاعتراف بمطالبهم.

لكن اللافت من زاوية علم النفس الاجتماعي، هو الغياب شبه الكامل لفئات مجتمعية تعتبر في السياقات الديمقراطية الحيوية، دعائم أساسية للدعم الرمزي والتأطير النفسي والمعنوي: الأخصائيون النفسيون الإجاماعيون ، الفنانون،المثقفون و السوسيولوجيون. إن هذا الغياب، سواء كان ناتجا عن تردد أو عن تجاهل، ينتج حالة من الاغتراب الجمعي، ويضعف الشعور بالانتماء الجماعي، وهو شعور يعد من الحاجات النفسية الأساسية للفعل المدني المستدام.

كما أن ما يتعرض له هؤلاء الشباب من تهميش غير مباشر، لا يتم عبر القمع المادي بل من خلال اللامرئية الاجتماعية، يعيد إنتاج أحد أخطر أنماط الإقصاء الرمزي، حيث لا ينظر إليهم كفاعلين ذوي مشروعية، بل تختزل تحركاتهم ضمن تمثلات اجتماعية جاهزة: “متهورون”، “منفعلون”، “يفتقرون للنضج السياسي”. وهي تمثلات تستخدم غالبا لنزع الشرعية عن الأصوات الخارجة عن النسق التقليدي.

هذا النمط من التجاهل الجماعي يولد لدى الأفراد، مع الزمن، ما يعرف في الأدبيات النفسية بالعجز المتعلم، أي الإحساس بأن التعبير والاحتجاج لا طائل منه، وأن الجهد لا يغير شيئا، مما يؤدي إلى الانسحاب من المجال العام وفقدان الثقة في المؤسسات.

إن هذا التخلي، المقصود أو العفوي، لا يعكس فقط اختلالا في بنية الوسائط المجتمعية، بل يطرح أيضا تساؤلات عميقة حول قدرة المجتمع على التفاعل مع دينامياته الجديدة، وعلى إعادة تشكيل التمثلات الاجتماعية المرتبطة بالفعل السياسي الشبابي، بشكل يعزز الاعتراف الاجتماعي، ويعيد بناء جسور الثقة، بدل أن يعمق الشرخ بين الفاعلين الجدد وبنية المجتمع التقليدية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى