تنسيق أم تداخل اختصاصات؟ أخنوش يسابق الزمن قبل صدور تقرير استراتيجية مكافحة الفساد

حسين العياشي
يقترب المغرب من الأجل الزمني لاستراتيجيته الوطنية لمكافحة الفساد الممتدة بين 2016 و2025، ومع اقتراب خط النهاية تبرز أسئلة ملحّة: ماذا أُنجز فعليًا؟ أين تعطّل التنفيذ؟ ومن يضمن ألّا تنطفئ الشعلة مع نهاية المخطط؟ في هذا السياق، استقبل رئيس الحكومة عزيز أخنوش، بالرباط، محمد بنعليلو رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها. اللقاء ليس بروتوكولًا عاديًا؛ إنّه مؤشر على سباقٍ مع الوقت لإعادة تشغيل ورش الشفافية قبل لحظة المحاسبة.
تقول المعطيات إنّ النقاش انصبّ على إجراءات تبعث حياة جديدة في الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وتشدّ مفاصل العمل المؤسسي. لكن جوهر الاختبار يكمن في ما وراء العناوين: كيف ستُحوَّل التعهّدات إلى مسارات تنفيذية واضحة، بآجال مضبوطة ومؤشرات قياس ملزمة؟ الطرفان اتفقا على أن التنسيق بين الفاعلين العموميين هو الحلقة الأضعف التي ينبغي تقويتها، غير أنّ السؤال العملي يظل قائمًا: من يقود التنسيق ومن يحاسب عند التعثّر؟
خطوة قادمة تبدو حاسمة. رئيس الحكومة شدّد على ضرورة عقد اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد قريبًا، لتقييم التنفيذ قبل إسدال الستار على أفق 2025. الاجتماع المرتقب سيضع على الطاولة تقرير تقييم أعدّته الهيئة، ما يتيح اختبار الفجوة بين التصوّر والواقع، ويحدّد على ضوئه التوجّهات التصحيحية التي يفترض أن ترفع نجاعة السياسات العمومية. معيار الجدية هنا بسيط ودقيق: نشر النتائج، إعلان نسب الإنجاز، وتحديد المسؤوليات.
اللقاء كشف أيضًا عن حزمة مشاريع تعتزم الهيئة إطلاقها: أكاديمية مغربية للنزاهة، مختبر وطني للنزاهة، وحاضنات تكنولوجية لتطوير أدوات رقمية تُعنى بالوقاية والكشف. هذه المبادرات تبدو واعدة على الورق، غير أنّ قيمتها تتوقف على شرطين قابلين للتحقق: تمويل مستدام وحوكمة مستقلة تضمن ألا تتحول المنصات إلى واجهات بلا أثر. السؤال التقصيّ يتابع: ما طبيعة قواعد البيانات المتاحة؟ كيف ستُحمى المبلّغات؟ وما إطار تبادل المعلومات بين المؤسسات والسلطة القضائية؟
الدور المنسوب للمجتمع المدني حضر بقوة في اللقاء. أُكّد أنّ دعم المبادرات المواطِنة وبناء شراكات مع الجمعيات والهيئات المتخصصة رافعة لا غنى عنها لتثبيت ثقافة الاستقامة. غير أنّ الامتحان الحقيقي سيتعلّق بفتح قنوات البيانات، وتبسيط حق الولوج إلى المعلومة، وإتاحة تتبّع الصفقات والبرامج العمومية في صيغ قابلة للقراءة الآلية، بحيث يصبح الرصد المجتمعي أداة يومية لا حدثًا موسمياً.
في المحصلة، الاجتماع يضع مؤشرات على مسار يُعاد شدّه قبل لحظة الحسم. ما سيحسم الصورة ليس الوعود بل ثلاثة عناصر قابلة للقياس: موعد انعقاد اللجنة الوطنية وما سيصدر عنها من قرارات مُعلّلة، نشر تقرير التقييم كاملًا بمنهجيته وأرقامه، وخارطة طريق تتضمن جداول زمنية وأسماء الجهات المسؤولة عن كل إجراء. عندها فقط يمكن القول إن ورش النزاهة انتقل من الخطاب إلى الأثر، وإن أفق ما بعد 2025 لن يبدأ من الصفر.