تنسيق غير معلَن بين قيادات الأحزاب لدعم مقربين في لوائح “الشباب المستقلّين”

حسين العياشي
في لحظةٍ بدت لكثير من الشباب بوابة أمل، حين صادق المجلس الوزاري المنعقد برئاسة الملك محمد السادس يوم 19 أكتوبر الماضي على تعديلات جوهرية تفتح أمامهم باب الترشح المستقل للانتخابات التشريعية المقبلة، في مسعى معلَن إلى تجديد النخب وتمكين جيل جديد من المشاركة الفعلية في تدبير الشأن العام. غير أنّ ما يدور في الكواليس يوحي بمسارٍ موازٍ أقل شفافية؛ إذ تتحرّك داخل عدد من الأحزاب شخصيات نافذة لدفع أبنائها وأصهارها ومقرّبيها إلى خوض السباق تحت صفة “مستقلّين”، في التفافٍ صريح على روح القرار.
فبعد طيّ صفحة “كوطا الشباب” التي وُسِمت لسنوات بالمحاباة والزبونية، يعود المنطق نفسه إلى إعادة إنتاج ذاته بواجهة مختلفة. مصادر متطابقة تؤكد أنّ قيادات حزبية باشرت إعداد “لوائح ظلّ” من شباب محسوبين عليها يُقدَّمون للرأي العام كمستقلّين، بهدف استثمار الدعم العمومي المرصود لفئة المرشحين الشباب، والذي يصل إلى 75 في المائة من مصاريف الحملة الانتخابية، بما يعادل 37.5 مليون سنتيم لكل لائحة.
هذا الحراك الخفيّ أطلق صفارات إنذار لدى فاعلين شبّان ونشطاء جمعويين رأوا في المبادرة الملكية فرصة لإعادة بناء الثقة بعد موجة احتجاجات قادتها في الصيف الماضي حركة “جيل Z”، مطالِبةً بتجديد الوجوه وإبعاد منكرّسوا المشهد منذ عقدين. أحد النشطاء لخّص المخاوف بقوله: “ما يجري اليوم يحوّل المبادرة إلى قناة جديدة لتمرير أبناء الحيتان السياسية، بالأدوات نفسها لكن بغطاء الاستقلالية”.
وتتحدث معطيات مطّلعة عن اجتماعات مغلقة شهدتها بعض الأحزاب الكبرى خلال الأيام الأخيرة، جرى فيها بحث صيغ “تنسيق غير معلن” مع مرشحين شبّان سيُقدَّمون بصفة “مستقلين”، بما يضمن امتداد نفوذ الأحزاب داخل الدوائر الحسّاسة من دون دفع كلفة الغضب الشعبي تجاه الواجهات التقليدية. وفي السياق ذاته يُعَدّ لهؤلاء المرشحين دعمٌ لوجستي وانتخابي موازٍ، مع إبقائهم خارج مساطر التزكية الرسمية تفادياً لأي تضارب قانوني محتمل.
ويبرز هذا التوجه رغم أنّ التعديلات الجديدة وضعت شروطاً دقيقة لصون الاستقلالية، من بينها ألا يكون المترشح منتمياً تنظيمياً لأي حزب، وأن يجمع 200 توقيع من الناخبين المسجلين في الدائرة، على أن لا تقلّ نسبة النساء عن 30 في المائة من تلك التوقيعات. غير أنّ مصادر عدة تشكّك في إمكان ضبط هذه الضمانات على الأرض، بالنظر إلى شبكات المصالح التي تربط أبناء القيادات الحزبية بمنتخبين ومسؤولين محليين قادرين على توفير تلك التوقيعات بسهولة.
بين مقصد الإصلاح وحنكة الأساليب القديمة يقف الاختبار الحقيقي: هل تُترجَم روح القرار إلى تجديد فعليّ، أم تُستنسخ اللعبة ذاتها بلبوسٍ جديد؟





