ثورة هادئة في تدبير استرجاع الضريبة على القيمة المضافة

حسين العياشي

يبدو أن الخزينة العامة للمملكة تنجز في ما يشبه «ثورة من المخمل» في تدبير ملفات استرجاع الضريبة على القيمة المضافة، بعدما تحولت هذه العملية، التي كانت في الماضي كابوساً مالياً للشركات، إلى إجراء شبه عادي يتم في آجال قياسية. فما كان يتطلب في السابق سنة ونصف أو أكثر، أصبح اليوم يُنجز في حدود شهرين فقط، في تحول نوعي يعكس عمق الإصلاحات الجارية داخل الإدارة الجبائية.

الأرقام وحدها تكفي لتوضيح حجم النقلة. ففي عام 2024، بلغت قيمة الاسترجاعات 22 مليار درهم، بينما لم تكن في السابق تتجاوز في المتوسط ما بين 6 و7 مليارات سنوياً. وفي الأشهر السبعة الأولى من سنة 2025، صرفت الخزينة ما يناهز 11,5 مليار درهم للشركات، مع توقع أن تتجاوز الحصيلة السنوية 24 ملياراً، أي أكثر من ثلاثة أضعاف المستوى الذي كان سائداً قبل الجائحة. ولا يزال المكتب الشريف للفوسفاط في مقدمة المستفيدين، إذ يظل صاحب أكبر رصيد من الديون الضريبية المستحقة على التجهيزات، بمعدل يناهز ملياري درهم خارج الضريبة على القيمة المضافة.

هذا التحول لم يأتِ من فراغ، فمنذ المناظرة الوطنية للجبايات سنة 2019، تعهدت المديرية العامة للضرائب بتخصيص معظم عائدات المراقبة الجبائية لتصفية متأخرات الضريبة على القيمة المضافة. وهو التزام انعكس مباشرة على علاقة الدولة بالمقاولات، حيث تلاشت تقريباً شكاوى الهيئات المهنية التي طالما كانت تضع هذا الملف على رأس أجندتها. وإلى جانب هذا التوجه، ساهمت المراقبة الدقيقة للمجلس الأعلى للحسابات في فرض قدر من الشفافية، بعدما انتقد بشدة سابقاً استعمال التأخيرات المتعمدة في صرف هذه الاستحقاقات كأداة لإدارة العجز المالي.

لكن وراء هذا الإصلاح، يكمن أيضاً تاريخ طويل من الحلول المؤقتة. فقد كان الربط بين وزارة المالية والتجمع المهني للبنوك بالمغرب أحد المخارج التي ابتكرت لتفادي اختناق المقاولات الكبرى. وكانت البنوك تقوم باقتناء سندات الديون الضريبية للشركات لدى الخزينة، ثم تُسترجع أموالها لاحقاً من الميزانية العامة على مدى سنوات، مقابل عمولة قاربت 3% تتحملها المقاولة.

كما أتاحت الدولة للمؤسسات العمومية الكبرى، مثل المكتب الشريف للفوسفاط، والطرق السيارة بالمغرب، والمكتب الوطني للكهرباء والماء، إمكانية الاقتراض بضمانة الخزينة بما يوازي أرصدتها المتراكمة من الضريبة على القيمة المضافة، ضماناً لاستمرارية الاستثمار والخدمات. وقد جرى حينها ضخ ما يفوق أربعة مليارات درهم في شرايين هذه المؤسسات لتفادي أزمات سيولة كانت تهدد التوازن المالي وحتى استقرار الأسعار المحلية.

اليوم، وقد استقرت آلية الاسترجاع وأصبحت أكثر سلاسة، يمكن القول إن المغرب يطوي صفحة طويلة من المعاناة التي كبّدت المقاولات خسائر غير مباشرة وأضعفت مناخ الأعمال. صحيح أن التحدي المالي للدولة لا يزال قائماً في ظل اتساع العجز، غير أن إدخال الانضباط على مسطرة الاسترجاع يشكل خطوة حاسمة نحو ترسيخ الثقة، وتثبيت صورة البلد كوجهة قادرة على احترام التزاماتها الجبائية، بما يعزز جاذبيته للاستثمار ويدعم ديناميكية اقتصاده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى