
حسين العياشي
لم يكد الحبر يجفّ على تصريحات وزير الإدماج الاقتصادي والتشغيل يونس السكوري داخل البرلمان، حتى وجد نفسه أمام موجة جديدة من الغضب. فبعد يومين فقط من تعهّداته بتحسين أوضاع العاملين في قطاعات الحراسة الخاصة والنظافة والطبخ، خرجت النقابة الوطنية لأعوان الحراسة الخاصة والنظافة والطبخ التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بنداء حادٍّ يتجاوز مجرد التذكير بالمطالب، ليأخذ شكل إنذار أخير موجّه إلى من يهمهم الأمر.
ففي اليوم العالمي لحقوق الإنسان، أعلنت النقابة إطلاق حملة وطنية لحمل الشارة الحمراء لمدة أسبوع كامل ابتداء من 15 دجنبر، خطوة تحمل رسائل مباشرة إلى ثلاث جهات: شركات المناولة التي استفادت طويلاً من هشاشة الشغيلة، ومسؤولين عموميين التزموا الصمت، وحكومة تتأخر عن تنفيذ وعودها.
البيان النقابي قدّم صورة لقطاع يعيش فوضى بلا ضفاف؛ فمدونة الشغل تُنتهك بشكل منهجي، خصوصاً المادة 184 المتعلقة بساعات العمل والراحة، فيما تواصل شركات عدة اقتطاع أجزاء من أجور العاملين دون مبرر، ملوّحة بشبح الطرد كلما حاول أحدهم المطالبة بأبسط حقوقه. يحدث ذلك داخل مؤسسات تعليمية ومستشفيات وإدارات عمومية، أما المساءلة فغالباً ما تغيب، لأن المشغّلين الحقيقيين يختبئون خلف عقود المناولة.
وترسم النقابة، بلغة لا تخلو من مرارة، ملامح “جحيم يومي” تعيشه آلاف النساء بأجور هزيلة وساعات غير محددة، ويكابده أعوان أمن خاص يعملون 12 ساعة متواصلة مقابل رواتب بالكاد تغطي مصاريف الشهر. إنها صورة قطاع كامل بُني على هشاشة ممنهجة، يوفّر خدمات أساسية للمؤسسات العمومية، لكنه يترك عمّاله في الهامش.
في قلب هذا المشهد، جاء تصريح السكوري داخل البرلمان كخيط أمل سرعان ما اهتز. الوزير أعلن أن مشروع مراجعة مدونة الشغل سيقلّص ساعات عمل حراس الأمن من 12 إلى 8 ساعات، مؤكداً أن الوضع الحالي “لم يعد مقبولاً”. وأشار إلى المسؤولية الثقيلة التي تتحملها شركات المناولة التي راكمت ثروات على حساب إنهاك الأجراء، متعهداً بإجراءات صارمة للمراقبة والزجر.
غير أن النقابة، وهي تسترجع لقاءاتها السابقة مع الوزير ومع كاتب الدولة المكلف بالشغل، تبدو أقل اقتناعاً بوعود جديدة لم تتأكد معالمها بعد. فقد خبرت هذه الفئة مساراً طويلاً من التعهدات المؤجلة، وتدرك أن إصلاح قطاع المناولة ظل حبيس الرفوف لسنوات رغم خطورة الوضع الاجتماعي.
ويعيد البيان النقابي تسطير أبرز المطالب التي يعتبرها صمام أمان لاستعادة الكرامة المهنية: إصدار قانون خاص ينظم مهنة الحراسة الخاصة، وتحديد ساعات العمل بوضوح، وضمان عقود تحترم الحد الأدنى من الحقوق، وإلزام الشركات بأداء الأجور واحترام الحد الأدنى للأجر، ووقف الطرد التعسفي، وتمكين عاملات النظافة من التغطية الصحية، وضبط ساعات عمل عاملات الطبخ في الحدود القانونية.
ولمّحت النقابة إلى أن خطوة حمل الشارة الحمراء ليست سوى البداية، وأن المسار قد يتطور إلى أشكال احتجاجية أكثر قوة، من بينها إنزال وطني أمام وزارة الداخلية. فالصبر نفد، كما تقول، والفئة التي ظلت لعقود في الظل تستعد اليوم لفرض صوتها عبر القانون والاحتجاج معاً. فحملة الشارة ليست رمزاً احتجاجياً فحسب، بل تعبير عن غضب تراكم لسنوات؛ غضب من شركات حولت الهشاشة إلى مورد ربح، ومن مسؤولين فضّلوا التفرج، ومن قوانين تطبق بانتقائية تجعل العامل الحلقة الأضعف في منظومة المناولة.





