جدري: الخطاب الملكي إعلان عن تحول استراتيجي في الرؤية التنموية

حسين العياشي

في افتتاح الدورة التشريعية الجديدة، حمل خطاب الملك محمد السادس رسائل عميقة لا تتعلق فقط بتوجيه العمل البرلماني، بل بإعادة رسم ملامح المرحلة المقبلة في مسار التنمية الوطنية. الخبير الاقتصادي، محمد جدري، يرى في هذا الخطاب “نقطة تحول مفصلية”، لما تضمنه من إشارات قوية موجهة ليس فقط إلى البرلمان والحكومة، بل إلى كل الفاعلين في الشأن العام، وفي مقدمتهم المواطن المغربي.

وفي تصريحه ل”إعلام تيفي”، أوضح جدري أن الخطاب الملكي جاء ليعيد الاعتبار للمؤسسة البرلمانية، ويؤكد دورها المحوري في البناء الديمقراطي، سواء من خلال التشريع أو مراقبة عمل الحكومة أو تقييم السياسات العمومية. غير أن الملك، شدد بوضوح على أن هذه الأدوار لا يمكن أن تؤدي غايتها إلا بروح الجدية والمسؤولية، وهي القيم التي جعلها العاهل المغربي عنوانًا أساسيا لأي ممارسة سياسية فاعلة.

الخبير الاقتصادي يعتبر أن الرسالة المركزية في الخطاب تتمثل في التحذير من انقسام وتيرة التنمية داخل المملكة. فالمغرب، كما قال الملك، لا يمكن أن يسير بسرعتين: سرعة المدن الكبرى والمشاريع المهيكلة، كشبكة القطارات الفائقة والمطارات والمستشفيات الجامعية، وسرعة بطيئة في مناطق أخرى لا تزال تنتظر نصيبها من العدالة المجالية. وهنا، يشير جدري، على أن دعوة الملك تتجلى في جعل التنمية شاملة ومتوازنة، قائمة على تكافؤ الفرص وضمان نفس الحقوق في كل الجهات، لأن “مغرب المركز والهامش” لم يعد مقبولًا في سياق بناء الدولة الاجتماعية.

وفي قراءته للخطاب، يعتبر جدري أن الملك أراد من خلاله تصحيح البوصلة التنموية نحو الإنسان، لا نحو المشاريع فقط. فالتنمية الحقيقية ليست في تعدد المنشآت الكبرى، بل في توفير فرص الشغل، والتعليم الجيد، والخدمات الاجتماعية اللائقة لكل المواطنين. وهذا ما أكده الملك حين دعا إلى برامج مندمجة تُبنى على الاحتياجات الأساسية للمجتمع، وتستثمر الإمكانات المتاحة بكفاءة، بعيدًا عن هدر الزمن والموارد.

كما توقف الخبير الاقتصادي عند البعد الاستراتيجي للخطاب، الذي وصفه بأنه “تحول في الرؤية الملكية لمفهوم التنمية”. فالمغرب الذي يحقق إشعاعًا دوليًا، ويستعد لاحتضان تظاهرات عالمية ككأس العالم 2030، مدعوًا في الوقت ذاته إلى تعميق جذور التنمية داخل ترابه الوطني. التنمية، وفق جدري، يجب أن تبدأ من القاعدة، من المدرسة والمستشفى وفرصة العمل، قبل أن تُتوج بالمشاريع الكبرى التي تُظهر صورة المغرب في الخارج.

ويخلص محمد جدري، إلى أن خطاب افتتاح البرلمان كان دعوة صريحة إلى استعادة روح المسؤولية داخل المؤسسات المنتخبة، وإلى تجاوز الخطابات الشعبوية التي تُقسّم المغاربة بين مؤيد ومعارض. فكما قال الملك، التنمية مسؤولية جماعية تتطلب تعبئة شاملة، وإرادة سياسية حقيقية تجعل من الجدية أساس العمل العمومي، ومن العدالة الاجتماعية غايته الكبرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى