جيل زد… حين صمتت المعارضة وتكلم الشارع

بشرى عطوشي 

المعارضة البرلمانية المغربية وجدت نفسها اليوم في مرمى غضب جيل جديد من المغاربة، جيل خرج عن المألوف الحزبي وقرر أن يتكلم بلغته الخاصة، خارج أسوار البرلمان والمنصات الحزبية الكلاسيكية. حركة جيل زد لم تولد من فراغ، بل من تراكم طويل لفقدان الثقة في كل الفاعلين السياسيين، حكومةً ومعارضة، ومن إحساس عام بأن كل الأطراف تتناوب على السلطة دون تغيير فعلي في حياة الناس.

هذا الجيل لم يهاجم المعارضة لأنها في موقع ضعف، بل لأنها كانت شريكة في إنتاج الصمت العام الذي يلف المشهد السياسي. فقد تحولت المعارضة، رغم خطاباتها الحادة في الجلسات العامة، إلى مجرد متفرج داخل المؤسسات، تكتفي بنقل انتقادات شكلية دون أن تخوض في العمق أو تكشف ما يجري في الكواليس. والأخطر أنها كانت من بين الذين تواطؤوا في حجب النقاش العمومي عن الرأي العام، عبر الاكتفاء بدور المتفرج على ما يجري داخل اللجان البرلمانية، وخاصة لجان تقصي الحقائق التي يُفترض أن تكون عين المواطن داخل المؤسسات. لكنها صمتت، ورضيت بأن يكون دورها تمثيليًا لا فعليًا، وكأنها تؤدي مشهدًا سياسيًا محفوظًا مسبقًا.

في ظل هذا السلوك، شعر الشباب أن المعارضة لا تختلف كثيرًا عن الأغلبية، فهي تتحدث باسم الشعب في النهار، لكنها تصوت أو تصمت في الليل. هذا الانفصام أفقدها المصداقية وعمّق الفجوة بينها وبين وعي جديد يرفض أن يكون مجرد رقم في معادلة انتخابية. جيل زد لم يعد يطلب من المعارضة أن تدافع عنه، بل يطالبها أن تعترف بتقصيرها وتتنازل عن امتيازاتها الرمزية لتعود إلى الميدان، إلى واقع الناس، إلى الجدل الحقيقي حول الكرامة والعدالة والمستقبل.

لقد ساهمت المعارضة، بصمتها ومراوغتها، في تحويل الاحتجاج إلى شكل من العصيان المدني الهادئ، عصيان لا يقوم على الفوضى، بل على الوعي بالقطيعة. هذا الجيل لا يريد إسقاط المؤسسات، بل يريد مؤسسات صادقة، شفافة، ومسؤولة أمامه مباشرة. إنه يرفض أن تبقى المعارضة مجرد ديكور في مشهد سياسي متآكل، ويؤمن أن التغيير لن يأتي من داخل القبة، بل من وعي جديد يفرض على النخبة أن تتغير أو تتلاشى.

المعضلة اليوم ليست في غياب الديمقراطية، بل في غياب من يؤمن بها فعلاً داخل المعارضة ذاتها. فإذا لم تراجع الأخيرة دورها وتتحرر من تواطؤاتها، فسيستمر جيل زد في مقاطعته لكل وسائط التمثيل، معلنًا استقلاله السياسي والرمزي عن طبقة سياسية فقدت اتصالها بالواقع. هذه ليست ثورة ضد النظام، بل ضد العجز الجماعي عن قول الحقيقة ومواجهة المستقبل بشجاعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى